القارة العجوز نحو الركود.. هل تكون ركيزة لعالم متعدد الأقطاب؟
البعث الأسبوعية-عناية ناصر
تضاعفت أصول أغنى عشرة أشخاص في العالم خلال العامين الماضيين، من 700 مليار دولار إلى 1.5 تريليون دولار، وفقاً لمنظمة “أوكسفام” التي تحارب الفقر في جميع أنحاء العالم. أشارت “أوكسفام” في إحاطتها حول عدم المساواة إلى أن البنوك المركزية ضخت تريليونات الدولارات في الأسواق المالية لإنقاذ الاقتصاد، إلا أن الكثير من تلك الأموال انتهت في جيوب المليارديرات الذين يركبون طفرة سوق الأسهم، كما لفتت وثيقة تقرير “اللامساواة العالمي 2022″، التي نشرها مختبر اللامساواة العالمي في كلية باريس للاقتصاد، الانتباه إلى الفجوة الآخذة في الاتساع ، حيث يمتلك 10٪ من سكان العالم 76٪ من الثروة العالمية.
لقد شهد عام 2022 عدداً كبيراً من الأحداث الدرامية، وسيُسجل في التاريخ باعتباره ركيزة هامة على طريق إنشاء نظام عالمي جديد، حيث ارتكب قادة الدول الغربية، الذين حاولوا بكل قوتهم التمسك بموقفهم المهيمن، عدداً من الأخطاء التاريخية التي أدت إلى تفاقم الانقسامات العالمية، وتأجيج العلاقات بين الدول بشكل خطير، كما يمكن أن تزيد هذه التوترات الجديدة من خطر اندلاع حرب نووية عالمية، وتهدد العديد من المناطق بالمجاعة.
وبحسب رئيس مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، تشمل الدول والمناطق التي تواجه خطر المجاعة الصومال، وإثيوبيا، وجنوب السودان، واليمن، وشمال شرق نيجيريا. تُعرَّف المجاعة بأنها الحالة التي يكون فيها ما لا يقل عن 20٪ من الأسر في منطقة معينة وصول محدود إلى الأغذية الأساسية، ويعاني 30٪ من الأطفال من سوء التغذية الحاد، ويموت شخصان من كل 10000 شخص كل يوم بسبب الجوع أو نتيجة التأثير المتبادل للعلاقة بين المرض وسوء التغذية.
ودون أدنى شك، ساهمت العوامل المناخية، وخاصة الجفاف في الوضع الحالي، كما لعب قادة الدول الغربية دوراً لا يقل أهمية، حيث وضعوا مصالحهم الأنانية فوق مصالح شعوبهم، ويحاولون التمسك بالسلطة بأي ثمن، وخير مثال على ذلك ما يقدمه القادة الحاليون لبعض البلدان في أوروبا الغربية.
أشارت صحيفة “لوموند” الفرنسية مؤخراً إلى أن القارة بأكملها تتجه نحو الركود مع انخفاض قيمة اليورو مقابل الدولار الأمريكي إلى أدنى مستوى منذ 20 عاماً، كما أنه من المتوقع فوز ائتلاف من الأحزاب اليمينية التي لا تحبذ الاستمرار في فرض عقوبات على روسيا في الانتخابات العامة الإيطالية المقبلة المزمع إجراؤها في نهاية شهر أيلول الحالي. وهذا الاتجاه المذكور أعلاه واضح بشكل خاص في تصرفات الحكومتين الألمانية والبريطانية، اللتين تضررتا جراء تأييدهما لنهج العقوبات، حيث رفض الألمان التصديق على خط “نورد ستريم 2” الذي تم بناؤه خصيصاً لتزويدهم بالغا، وبالتالي تسبب في مشاكل لمواطنيهم. ومع ذلك، ربما يكون حزب المحافظين البريطاني قد فعل كل ما في وسعه لخفض مستويات المعيشة التي يتمتع بها البريطانيون، فوفقاً لإحدى المقالات الافتتاحية الأمريكية: “لقد جعل المحافظون كل شيء في بريطانيا أسوأ، وحتى الطقس”.
لقد كان عام 2022 عام الأزمات المتفاقمة في جميع المجالات، حيث تضاعفت أرقام التضخم و لا تزال مستمرة بالارتفاع، كما عانت كل من شبكة السكك الحديدية والخدمات البريدية من الإضرابات، و تسببت موجة الحر الشديدة في حدوث أخطر موجة جفاف خلال 20 عاماً، كما أفسد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والوباء حياة ومعيشة البريطانيين.
يشعر البريطانيون، العالقون في عاصفة من الأزمات، بأن حكومتهم تخلت عنهم، وقليلون متفائلون بشأن رئيسة وزرائهم الجديدة ليز تراس، كما ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” في مقال نُشر في 6 أيلول الجاري، على الرغم من انتهاء الإمبراطورية البريطانية قبل 60 عاماً، إلا أنها لا تزال “أسيرة إرثها”.
و يُنظر إلى تراس في بريطانيا، على أنها تسير على خطى إينوك باول، التي اشتهرت بالعنصرية وكراهية الأجانب، حيث تبنت موقفاً متشدداً بشأن الهجرة، ووعدت بزيادة قوة الحدود بنسبة 20٪، ودعم الخطط المثيرة للجدل لترحيل طالبي اللجوء إلى رواندا. وجادلت تراس بأن فقدان بريطانيا لمكانتها في العالم كان نتيجة للنمو المفرط لـدولة الرفاهية، التي أنشأت جيلاً من رقائق الثلج، وصفته بأنه “من بين أسوأ العاطلين عن العمل في العالم”. وقالت مؤخراً : “العمال البريطانيين يفتقرون إلى المهارة”. وهي ترى أن خفض الضرائب – الذي من المرجح أن يكون في الغالب لصالح الشركات الكبيرة والمربحة – هو الدواء الشافي لجميع المشاكل الاقتصادية، وتفضل الدولة الصغيرة، وتخفيضات في الأجور، وتقليص الروتين وتحرير السوق. كما وصفتها صحيفة “نيويورك تايمز” في مقالها المذكور أعلاه: “في عهد السيدة تراس، العقلية المحطمة للإمبراطورية هي التي تحكم. في النهاية، سيعاني البريطانيون العاديون نتيجة لذلك”.
تقف بريطانيا الآن على أعتاب أزمة خطيرة، فبالإضافة إلى المشاكل الاقتصادية، تخطط اسكتلندا لإجراء استفتاء على الاستقلال، والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي متوترة، والكثير من البريطانيين غاضبون لأن رئيسة الوزراء الجديدة لم يتم اختيارها من قبل مجموع السكان البالغ عددهم حوالي 67 مليون نسمة، ولكن من قبل 161000 عضواً في حزب المحافظين.
لقد تضافرت كل هذه المشاكل لتفاقم العنصرية في أوروبا، كما أدت سياسات الغرب إلى زيادات في أسعار المواد الغذائية، وخلقت مشاكل ضخمة للعديد من البلدان الفقيرة. وفي مواجهة لتصرفات وأفعال القوى الغربية التي تسعى وراء الذات، رفض العديد من القادة في العالم النامي دعم الإجراءات المعادية لروسيا التي فرضتها الولايات المتحدة وأوروبا الغربية. وفي بداية شهر أيلول الحالي، انتقد عدد من القادة الأفارقة الدول الغربية لفشلها في تقديم الدعم الموعود لمساعدة الدول الفقيرة على التكيف مع تغير المناخ، حيث أكد رئيس السنغال أن مصير البشرية ككل معرض للخطر، بينما عبر رئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية عن موقفه بنفس القدر من القوة.
لقد أثارت المعايير المزدوجة والنفاق التي أظهرها السياسيون الغربيون ردود فعل سلبية في البلدان النامية، فعلى سبيل المثال، تقدم الدول الاسكندنافية نفسها كنماذج للعدالة والمساواة الاجتماعية، لكن في الآونة الأخيرة، وجدت مدرسة دانماركية مرموقة نفسها في صلب فضيحة عندما أُجبر ولي العهد على سحب ابنه بعد اتهامات عدة بالعنف والتنمر في المدرسة.
إن الطبقات الحاكمة في الغرب تنأى بنفسها عن عامة مواطنيها، والفجوة آخذة في الاتساع طوال الوقت، حتى بدا واضحاً بالنسبة للدول الغربية أن خريف وشتاء هذا العام سيواجهان العديد من الكوارث والاحتجاجات والمظاهرات.