افتتاح “الندوة الوطنية للترجمة.. عالم بلا حواجز”: الترجمة الإبداعية تواجه تحديات كبيرة
أمينة عباس – علا أحمد
افتتحت وزيرة الثقافة د. لبانة مشوح صباح اليوم في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق فعاليات الندوة الوطنية للترجمة تحت عنوان “الترجمة بين التقليد والإبداع” تزامناً مع اليوم العالمي للترجمة.
وبيَّنت مشوح في كلمتها أن الاحتفال باليوم العالمي للترجمة مناسبة للتمعن في الترجمة ومختلف قضاياها، متسائلة: هل في الترجمة إبداع؟ وأين يكمن وجه الإبداع هذا؟ وكيف يكون التعامل مع الأصل الإبداعي؟ وهل يحق للمترجم أن يتحرر من ظل الكاتب؟ وأن يطمح إلى أن يقر له بحق ضائع وأن تضاف مهنته إلى قائمة المهن الذهنية؟ وأن يجبر الضرر الذي يلحق به من تمييز مجحف لا يزال يطاله بهذه المهنة الجميلة العاقة؟ متمنية أن يتوصل المشاركون في الندوة إلى إجابات شافية بهدف تطوير المنتج الترجمي وتذليل الصعوبات التي تحول دون ذلك.
التوتر الحميم
لم يتحدث د. نايف ياسين، المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب، في كلمته عن أهمية الترجمة ودورها في الحياة الثقافية والنهوض بالمجتمعات، حيث “ما من مثقف لا يعي ذلك”، مبيناً أن مفهوم الإبداع والترجمة ليس بسيطاً، ويكتنف العلاقة بينهما توتر حميم، فلولا الإبداع – برأيه – لكانت الترجمة عملاً تقنياً بحتاً، والإبداع دون الترجمة يخسر كثيراً، ولولا الترجمة ما عرف القارئ روائع الأدب العالمي، ولعانى من فقر فكري وعَوز جمالي حادّ، متسائلاً: هل الترجمة عملية إبداعية أم أنها مجرد عملية نقل لغوية تقنية وحسب؟ وإذا كانت عملية إبداعية فما هي الجوانب الإبداعية فيها؟ مبيناً أن أكثر المشكلات المتصلة بترجمة الأعمال الإبداعية تتجلى في ترجمة الشعر، فالنجاح فيها محدود وهي تحتاج إلى مترجم استثنائي، في حين تبرز إشكالية ترجمة الرواية في قدرة المترجم على أن يكون شفافاً وأميناً في نقل الكلمات والصوت والعاطفة والأفكار للمؤلف دون أن يفسر أو يجتهد، لأن ذلك يشكل تعدياً على إبداع المؤلف، مؤكداً أن علاقة الترجمة بالإبداع وثيقة، لكنها ستبقى حافلة بالمشكلات، مستشهداً بمقولة صامويل جونسون: “يتوق كل من يؤلف كتاباً إلى المديح، أما من يترجم كتاباً فحسبه أن ينجو من النقد”.
وختم ياسين بالإشارة إلى أن “هيئة الكتاب” تولي ترجمة الأعمال الإبداعية اهتماماً كبيراً من خلال مديرية الترجمة ومجلة “جسور ثقافية”، مغتنماً الفرصة لدعوة جميع المترجمين السوريين إلى المساهمة في إثراء النشاط الترجمي.
“عالم بلا حواجز”
وجاء في رسالة المترجمين السوريين في اليوم العالمي للترجمة والتي قرأتها تانيا حريب، من “هيئة الكتاب” أن رسالة المترجمين لهذا العام تحمل عنوان “عالم بلا حواجز”، وهو العنوان الذي اتخذه الاتحاد الدولي للمترجمين عنواناً لاحتفال هذا العام. وقالت إن الترجمة الإبداعية تقوم على مواءمة النص الأصل مع ثقافة أو لغة مختلفة من خلال تبديد جميع الحواجز التي تمنع فهم التراكيب والمفاهيم لنقل معناها المطلوب إلى لغات مختلفة، مع دراية المترجم بالاختلافات المحلية والفروقات الثقافية لخلق نص متناغم. وأكد المترجمون السوريّون من خلال رسالتهم على ضرورة مساهمة المترجمين في الوطن العربي في رفع عقوبات قانون قيصر وغيرها من عقوبات غير قانونية على سورية ليتسنى توفير الكتب الأجنبية بمختلف علومها وآدابها وتفعيل دور المترجم السوري ليكون رسولاً للعلم والثقافة.
الجلسة الأولى
وفي الجلسة الأولى، تحدث د. ثائر زين الدين عن “ترجمة الشعر والإبداع فيها” مشيرا إلى أن ترجمة الشعر يشغل مساحة ليست صغيرة ضمن عملية الترجمة الأدبية، وهي واحدة من المواضيع الأكثر سجالاً في الماضي والحاضر، فالكثير من الآراء ترى أن الشعر لا يترجم. وقال إن مسألة الاختيار الصحيح للأعمال الجديرة بالترجمة، وجودة الترجمة تلعب دوراً كبيراً وحاسماً في استقبال المتلقي لعمل المترجم، وشدد على أهمية جمال أسلوب المترجم وتماسكه ليحافظ على العمل ولا يجعل القراء ينفرون منه، فجمال الأسلوب ورشاقته هما الحد الفاصل بين أدبية النص وعدمها، وعلى المترجم الذي يتصدى لترجمة الشعر أن يكون شاعراً مجيداً في لغته حتى يستطيع أن يعوض تلك الروح التي يمتلكها النص الأساس في لغته الأم.
وبين أن دور اللغة لا يقتصر على نقل المعنى أو الدلالة، بل هناك الوظيفة الجمالية، والترجمة الأدبية من هذا المنظور يجب أن تمارس على قارئها “السحر”، أي التأثير الجمالي نفسه الذي يمارسه النص الأصلي على متلقيه.
استراتيجيات المترجم
إذا كانت الترجمة فن نقل النصوص من لغة إلى أخرى، فالترجمة الإبداعية تتخطى ذلك لتنقل الأسلوب والعاطفة والموقف والثقافة، ولا يمكن للمترجم أن يكون مبدعاً إذا لم يكن ملماً بالمفاهيم الثقافية للّغتين، كما يرى د. باسل مسالمة الذي تناول مسألة “الحذف والزيادة في الترجمة الإبداعية”، مؤكداً أن على المترجم ألا يتعامل مع التراكيب والمفردات فحسب لكي يتمكن من إنتاج ترجمة إبداعية، بل أن يتوغل في المعاني ويستقرئ الرموز والصور. وأوضح أن المترجم يواجه عقبات جمة أثناء الترجمة، فلا يجد حلولاُ، وقد يتبع الحذف والزيادة، وهما استراتيجيتان تهدفان إلى تحسين النص المترجم وتخليصه من الغموض الذي يكتنفه نتيجة الاختلافات بين اللغة المصدر واللغة الهدف من حيث الثقافة والسياق والبنية النحوية وأنماط التعبير. ويرتبط مفهوما الحذف والزيادة – كما قال – بمفهومي التضمين والشرح، فالحذف ضروري في كثير من الأحيان إذ يساعد في تقويم العبارات وضبطها وإيجازها، أما الزيادة فتأتي من أجل أن يصبح النص مفهوماً أكثر لدى القارئ، فيفسر المترجم من خلال عبارات وتراكيب إضافية ما يراه غامضاً أو يتمم بها ما يعتقد بأنه بحاجة إلى الاكتمال لإيصال المعنى واضحاً دقيقاً خالياً من الالتباس.
الترجمة الإبداعية
الترجمة الأدبية علم له قواعده ونظرياته، فهي ليست كالترجمة العلمية التي تكتفي بإيجاد المكافئ الواحد بل تتطلب جهداً أكبر، وتضع المترجم أمام تحديات كبيرة عليه أن يتجاوزها، فعمل المترجم لا يقوم فقط على نقل رسالة من لغة إلى أخرى، بل يتطلب أيضاً القيام بمهمة صعبة من الفهم والإدراك والتحليل والتطور متعدد الثقافات.. في إطار هذا المحور، بيّنت د. زبيدة القاضي أساليب الترجمة المتبعة والتي منها: الاقتراض، المحاكاة، الترجمة الحرفية، الإبدال، التطويع، التكافؤ، التكييف، وميزت بين الترجمة الحرفية التي تقيد النص والترجمة الإبداعية التي لا تعكس محتوى النص فحسب بل تعكس روحه وثقافته، وأوضحت أن مصطلح الترجمة الإبداعية برز في الأونة الأخيرة للتعبير عن أحد أنماط الترجمة التي لا تتقيد بحرفية النص، ويطلق العنان لخيال المترجم وإبداعه كما يصل إلى عقل القارئ وقلبه، لذلك أصبح الفرق شاسعاً بين الترجمة التقليدية والترجمة الإبداعية، فالترجمة الإبداعية هي عملية مواءمة النص مع ثقافة ولغة أخرى مختلفة عن طريق تجنب الترجمة الحرفية، مع الحفاظ على جوهر النص، لذلك قد يحتاج المترجم إلى تغيير بعض الكلمات أو حذفها، أو إضافة كلمات أو جمل جديدة، وكأنما يعيد كتابة النص من جديد، لذلك لا يجب أن يكون المترجم متقناً للغة التي يترجم عنها بل يجب أن يكون ملماً إلماماً كبيراً بالمفاهيم الثقافية لتلك اللغة.
كتب الأطفال
يقوم المترجمون بدور بارز في نقل الثقافة وتحقيق التواصل الإنساني والفكري بين الشعوب وتقريب المسافات ونقل الخبرات والتجارب وتعزيز التمازج الحضاري بين الأمم، ومن خلال الترجمة وصلت إلينا الكثير من الكتب العالمية العظيمة.. هذا ما بينه د. هيثم الحافظ منوها إلى قضية مهمة لا يجب أن نغفل عنها وهي الاهتمام بترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأجنبية. ويذكر الحافظ هنا بالانعطافة الكبرى عام 1988 بعد فوز الروائي نجيب محفوظ بجائزة نوبل للآداب، فقد نبه هذا الفوز إلى أن حركة الترجمة تسير باتجاه واحد تقريباً، وسلط الضوء على أهم مشكلة تواجه الثقافة العربية: لماذا لا يهتم بنا الغرب؟ ولماذا لا نحاول نحن أن نوصل ثقافتنا وفكرنا إليه؟
وتطرق الحافظ إلى ترجمة قصص الأطفال تعد نوعاً من الترجمة التخصصية التي تفتح نافذة على الثقافات الأخرى، وقد ترتقي لتمثل حبل الإنقاذ لقلة ما ينتجه الكتاب العرب للطفل باللغة العربية، إضافة لكون الترجمة تعد خياراً سريعاً للناشر لأنه يستطيع شراء حقوق كتاب أثبت قبوله لدى الشريحة المستهدفة وهم الأطفال، وحقق مبيعات جيدة، ولا يحتاج إلا لإسقاط النص العربي بدلاً من النص الأصل.