الأنشطة تأتي للناس
غالية خوجة
ما أجمل أن تنتشر الفعاليات الثقافية والفنية في أرجاء حلب، وتتخذ من الأماكن العامة مسرحاً مفتوحاً يحضره من يشاء من الأهالي الذين هم الهدف الأساسي من هذه الأنشطة التي تتخذ طابعاً اجتماعياً عائلياً راقياً يضيف مشهداً متفاعلاً مع عراقة حلب، ليحقق لهم متنفساً حيوياً من المتعة والفائدة، ويساعدهم على تجاوز الضغوطات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، ويجذبهم من الفضاء الافتراضي إلى واقعٍ يحدث الآن، ويستعيد ذاكرته التي تذكّرنا بجلسات أجدادنا وأهالينا أمام بيوتهم في كلّ زقاق وحارة وحيّ، ويتبادلون القهوة والشاي، ويعمّرون مائدة بسيطة من الطعام الموجود في كلّ بيت، يعرفون بعضهم بعضاً كأنهم عائلة واحدة كبيرة تتشارك الهواء ورائحة الطبيعة والمجالس بأفراحها وأتراحها، فيصبح الحزن الموزع على الجميع بعض حزن على صاحبه، ويصبح الفرح الموزع على الجميع فرحاً كاملاً لكلّ فرد من الأهالي.
ولا تزال رائحة هذه الجلسات ملتصقة بما تبقّى من جدران مدمّرة، وجدران تنتظر ساكنيها، وجدران ترمَّم، وجدران مأهولة، بينما الأشجار ترفع أغصانها للسماء داعية بالخير، ومثلها تفعل العصافير والفراشات والنباتات البارزة من الشقوق الحجرية والأرصفة والجدران، ومثلها يفعل كلّ مطر هطل، يهطل، وسيهطل.
وها هي الأنشطة الثقافية والفنية تأتي إلى الناس بين موسيقا وغناء وفن سابع ضمن فعاليات وزارة الثقافة، ومنها حدائق الفن وتظاهرة سينما الهواء الطلق.
والملفت أن أهالي حلب يُقبلون على هذه الأنشطة، كعادتهم، لأنهم محبون للاطلاع والتغيير، والسؤال: كيف نقدم الأفضل دائماً تقنياً، ومواضيع، وإجراءات؟.
أتوقع أن الحيّز الذي تعرض فيه أنشطة حدائق الفن ضيّق على الناس، فماذا لو وضعنا المزيد من الكراسي ليس على درج باب الحديقة العامة الكبير فقط، بل بشكل دائري، وفي ممرات الحديقة، لتتسع لأكبر عدد من المستهدفين؟ وماذا لو قدّمنا للحاضرين هدايا تذكارية بسيطة باسم كلّ تظاهرة مثلاً: حدائق الفن، وسينما الهواء الطلق؟
ولماذا لا نبتعد عن التكرار، ولا نجدّد فيما يُقدّم؟ أيضاً، ماذا لو كانت هناك ورشة سابقة لمثل هذه البرامج الثقافية الفنية الاجتماعية للأطفال والشباب ومختلف الأعمار؟ لتساهم المواهب المكتشفة بفقرة مناسبة؟ أو ماذا لو أن البرامج تضمّنت فقرات مناسبة للمواهب المكتشفة بين المدارس والمعاهد والجامعات ومنظمة طلائع البعث ومنظمة الشبيبة؟.
ومع هذه المبادرات المختلفة، أتساءل: متى سيكون في حلب مسرح جوال؟ أو مسرح في الهواء الطلق؟ ومتى ستكون للجهات المعنية الأخرى أنشطة تأتي للناس، وفي كافة المجالات؟
لقد سبق واقترحت أن يساهم اتحاد الكتّاب العرب بجلسات أدبية، منها أمسيات وندوات، شريطة أن تكون حوارية مفتوحة وعفوية ليساهم فيها الحضور جميعاً، وجلسات قراءة شهرية في كتاب لكاتب سوري، فهل ستتحقق هذه الفكرة قريباً؟
أيضاً، هناك جمعيات مختلفة، ومنها العاديات والجمعية العلمية الفلكية السورية، فلماذا لا تقيم الأنشطة المناسبة في الأماكن العامة لتتفاعل مع المجتمع؟.
الفعاليات الثقافية الفنية المسرحية والتشكيلية والموسيقية المختلفة المدروسة والممنهجة لا بد وأنها ظاهرة حضارية، وهي تزور الناس وتدعوهم لزيارتها والتفاعل معها، ولذلك، لا بدّ من التجديد والتشاركية لتتسارع إيقاعات البناء في الإنسان كما تتسارع إيقاعات البناء في العمران، لتتوازى حركية عمران المشهد الحياتي، ويشعر الأهالي بأنهم مشاركون في الأنشطة وليسوا، فقط، مستقبلين.