كلمة البعث

أقــــلام للبيـــع !

دأب عدد من المحللين السياسيين على استخدام مصطلح «الحرب  الكونية» في سياق الحديث عن العدوان على سورية – الشعب والدولة الوطنية والدور التاريخي – وفي الوقت الذي رأى فيه بعض الكتّاب أن المصطلح فضفاض، فقد تبيّن مع توالي فصول العدوان أنه واقعي. فلم تكتف أدوات العدوان بالإرهابيين الذين حملوا سلاح القتل والتكفير والإرهاب وتقاطروا من أربع جهات الأرض.
لقد أسهم في هذا العدوان عدد غير قليل من حملة الأقلام الذين لا يقلّون خطراً وإجراماً عن حملة السلاح وقصدوا منابر البترودولار رافعين يافطات الحرية والوطن والعدالة و…. وقد رأوا في بلاط آل سعود وغيرهم من مشايخ الرجعية العربية وعثمانية أردوغان ملاذاً للفكر الحر وللرأي المقاوم المستنير المتمرد على الصهيونية والاستعمار والرجعية!.
فمن المستحيل أن يرى الفكر المستنير الوطني العروبي التقدمي في فضاءات وفضائيات الاستعمار القديم والجديد والرجعية العربية منبراً أو شاشة أو صفحة لا تخدم بالمحصّلة المشروع الصهيوني في المنطقة، وهؤلاء لن يُعطَوا أي فرصة للظهور أو التعبير دون تحقيق شرطين أساسيين: أولهما أن يعبروا بأي شكل من الأشكال عن جهوزية للارتزاق والإملاء والتبعية، وثانيهما أن يعلنوا عن مناهضتهم للمشروع المقاوم بأطيافه الوطنية والعروبية والإسلامية الحقيقية.
لا يجهل هؤلاء المثقفون المدجّنون أبداً أن ماسمّي بالربيع العربي إنما هو مجرد يباب ودمار لعب فيه التحالف الصهيوأطلسي – الرجعي أدواراً لا تُنكر،  فكان نشاط حمد وابن سعود وهنري ليفي وأردوغان… يصّب في خدمة الهدف الصهيوني. ولا يجهلون أيضاً أن الدور التاريخي والواقعي للمثقف العضوي يقترن دائماً بنسف مرتكزات الرهان الاستعماري على التناقضات الإثنية والدينية والاجتماعية، ولا ينفصل هذا الدور أبداً عن مقاومة كل من يعبث بنسيجنا  الوطني والعروبي والإسلامي، وبالعيش المشترك، مقاومة المحتل والمستعمر والرجعي الذين طالما دأبوا على تعزيز الصراع الداخلي على حساب مصالح الشعب وحقوق الأمة.
القلم الحر، والذي لا يُباع، هو الذي لا يفرّط لا من قريب ولا من بعيد بالانحياز الى قوى المقاومة التي تشحن مقاومة العدوان بالطاقة الروحية والمعنوية للمواجهة وللصبر في هذا المعترك التاريخي المصيري، والقلم الذي بيع هو الذي عبّر مباشرة عن إفلاس فكري وسياسي ونضالي، واستمرأ صاحبه مغريات البترودولار. وهذا لم يعد خافياً، وسيعرف هؤلاء قريباً أي منقلب سينقلبون.
فلا شك أنه في هذا المعترك المصيري رافق التحولات المريبة انهيار واسع للقيم عززّه الدور الخبيث والمراوغ للبترودولار، فظهر المثقّف الذي يخرّ تحت هذا الدور رديفاً للتكفيري وللإرهابي، فكلا الطرفين أضرّ بالبلاد وبالعباد، ومهّدا لظاهرة أقلام، وشباب، وتاريخ، ومستقبل، وأوطان، كلها للبيع، فهل من مشترٍ؟!
وهذا البيع هو الذي اضطر رئيس تحرير صحيفة خليجية لأن يكتب موضّحاً كيف تُباع الأجيال والأوطان «من قبل الحكومة والمعلمين والدعاة والمحرضين على التكفير والكراهية والفتنة في فضائيات ومدارس بلاده».
تلك الأقلام هي التي تعمل على وأد روح الصمود والمقاومة والأمل بالانتصار عند أجيال الوطن والأمة، وهي التي تعمل على تحويل المجتمع السياسي التقدمي الذي أنتجته حركة التحرر والاستقلال العربي إلى مجتمع التنظيمات والأحزاب الطائفية والمذهبية، وهي التي ترى أيضاً كما يرى الظواهري – مثلاً – في البعث بتاريخه النضالي الوطني القومي التقدمي، مجرد مذهب يستحق التكفير والاحتراب والقصاص!.
هذه المظاهر التي تدفع اليوم بأجيال البعثيين عسكريين ومدنيين إلى الإقبال على التضحية والشهادة، وكلهم يقول: نموت بعثيين عروبيين أحراراً ولا نموت على المذاهب والطوائف والإثنيات. وهذا هو الرد الحازم على من يشتري ويبيع القلم والرصاصة خدمة للمشروع الصهيوأطلسي-الرجعي.
ومع مضي جماهير شعبنا وحزبنا في الإقبال على خيارهم الحر في الاستحقاق الدستوري الوطني الديمقراطي، تنشط هذه الأقلام الموظّفة من الغرب والخليج وإسرائيل لتضلل الوعي والانتماء، ولتزوّر الحقائق والمصالح، ولتنفث سموم الحقد والهزيمة، وهذا ماتعرفه هذه الجماهير بدقّة حين ستختار بالتزامها الوطني والقومي القامة الشامخة القادرة على التصدي للإرهاب وحماية سورية الشعب والدولة الوطنية والدور التاريخي والمستقبلي.

د. عبد اللطيف عمران