ثقافة

نضال سيجري الحاضر الغائب بمرحه وروحه على خشبة المسرح

أزهر الكرز على خشبة الحمراء البارحة  كما لم يزهر من قبل، ما يعني أن عاماً مضى على آخر رحلة قام بها نضال سيجري، رحلة أليفة تمشت بخاطرنا، عندما شاهدت أعيينا نعش “نضال سيجري” وهو ممدد على خشبة مسرح أحبها وأحبته، غنى لها وغنت له، رقص فوقها، رقص ورقص طويلاً، حتى مات فوقها، لترفع دموع الغياب وضحكات الذكرى الندية، هذا النعش وبداخله يغفو “نضال” وكأنه سيعود كالحزن بعد قليل.
حضور رسمي وشعبي انفرجت أسارير مسرح الحمراء به، رغم الأسى، فالفراق ليس سهلاً أبداً، لا على قلب هذا المسرح الذي حفظ خطوات “سيجري” عن ظهر خشبة، ولا على قلوب الحضور، الذين أضحكهم أسعد خرشوف كما يفعل دائماً، أسعد الطيب، أسعد البسيط.

موسيقا للفرح والحزن
حوارية عود وبزق فتحت صندوق الذكرى، لتقدم روح نضال الحاضرة حتى تكاد تكون مرئية، فالعود الذي بدأت أنغامه وكأنها مبحوحة الصوت، ما لبثت أن بدأت تتضح رويداً رويداً، لتسرد ملامح “أبو وليم” في فرحه وحزنه وعاطفته، لتأتي موسيقا شارة مسلسل “ضيعة ضيعة” وكأنها نداء لاستحضار روح “سيجري”، لاسيما وأنها وضعت الحضور في ذلك الطقس الذي يعرفه ولا يسميه، طقس الاحتفاء بالحياة كما بالموت، وبالحياة كما بالحياة.

هو الفرح
وجدانية الفنان دريد لحام وصدقه ميزا كلمته العفوية التي جاءت كشهادة من أصدقاء الراحل حيث روى كيف كان ينتظر انتهاء تصوير مشهده ليذهب ويأخذ رأي سيجري بما صنع، وكم كان، كما أخبر ضيوف نضال، يُسَر عندما يهز له برأسه، قال تلك من أغلى الشهادات في عملي.
وفي حديث خاص للبعث قال لحام: في الفن لا أحد يحل مكان أحد، يمكن أن يأتي شخص أفضل ولكن لا يحل محله، نضال سيجري له بصمة خاصة في مجال العمل الفني سواء كان في المسرح أو التليفزيون. وعن التكريم يؤكد: إن مجرد تذكر اسم نضال هو بمثابة تكريم له، لتكون روحه راضية، ولكن يبقى أن يكون هناك شيء مكتوب وموجود لإثبات أن هذا الشخص حي لكي نستطيع إجابة الأجيال القادمة من هو نضال سيجري.
ولم ينتبه حارس مسرح القباني “أبو رضوان” أن دمعته وقفت في عينيه، وهو يحاول وصف إنسانية وحياة نضال سيجري المهنية من خلال فيلم خاص تم تصويره يسرد بعض شهادات أصدقائه، فعاطفة الحارس كانت أقوى من أن يسيطر عليها، فقد أخذته للحديث عن جوانبه الإنسانية أكثر من حديثه عن علاقته به كممثل يعتلي خشبة المسرح “كان دائم السؤال عني حتى عندما يغيب، في آخر مرة رأيته بها سلم عليّ بحرارة شديدة لم أنتبه أنه سيكون السلام الأخير” قال حارس القباني بدموعه أيضاً.

صوت نضال
وبدورها الفنانة أمل عرفة أعطت صفة لأسعد خرشوف القلائل من يملكونها، وهي قدرته على تحويل أي موقف صعب إلى شيء مضحك نتندر عليه، (نضال الصديق والزميل كان قادراً بأي لحظة على تغيير حالتنا ومزاجنا إن كان مكدراً ليأخذنا بحركة أو ضحكة أو كلمة مما نحن فيه إلى فرح وضحك وسعادة). وأكدت عرفة، في المشاهد الفيلمية، أن أصدقاء نضال هم صوته، بعد أن روت آخر حديث بينهما حيث قال سيجري: لقد كنت بأمس الحاجة إلى صوتي في السنوات الأخيرة، وأنتم جميعكم صوتي.
أما فيروز فقد كانت حاضرة في الفيلم بصوتها العذب. وكعادتها، لم تتغير طريقتها في التعبير عن أي شيء إلا من خلال أغاني الرحابنة، فقد كتبت الإعلامية هيام الحموي على ورقة صغيرة كلمتها لنضال سيجري تقول فيها: “وعدي إلك وعد الصوت، غنيلك وخلي الدني تغنيلك متل ما غنيت لسورية بصوتك المبحوح”.

نضال ورفاق العمر
لن تخفى قسمات الحزن المرتسمة على كل من وجه الفنان جرجس جبارة والفنان جمال العلي والمخرج المسرحي مأمون الخطيب، من كانوا رفاق أبو وليم في الحياة كما في العمل، وهو ما عبّر عنه جبارة بتصريح خاص للبعث: وجودنا اليوم هو لقاء مسافر غادرنا منذ عام، واليوم نلتقي من جديد، نضال من الأشخاص الذين يملكون هوية وبصمة فهو حاضر معنا بكل وقت، بإنسانيته وروحه، قد يكون سافر إلى مكان ما ولكننا على موعد لقائه في هذا المكان. ويتابع: نضال حي ومستمر، وكل ما قدمه من أعمال هي حاضرة وموجودة سواء في المسرح أو التلفزيون، في كل فترة يكون لدينا محطات يزورنا فيها ونزوره، وعندما نلتقي بأي مناسبة تخصه نكون نحتفل بلقائه في محطة جديدة.
من جهته يقول جمال العلي للبعث: لقد جئنا اليوم لنسلم على نضال الحاضر الغائب، فهو موجود بكل مشهد أصوره مع الليث حجو، موجود بضحكته، لقد اجتمعت مع نضال سيجري على خشبة هذا المسرح منذ 25 عاماً كان وقتها عرض بروفات مسرحية، وبعدها اجتمعنا في مسرحية “سفر برلك”، وهو اليوم موجود معي دائماً ولا أبالغ إن قلت أنني شعرت بوجوده عند دخولي إلى المسرح.
لم يصدق المخرج المسرحي مأمون الخطيب لغاية هذه اللحظة غياب زميله المسرحي سيجري فيقول للبعث: نضال شخص مرتبط بكل ذكرياتنا، بكل حركة تحدث على خشبة المسرح نشعر بروحه، وأثناء عرض مسرحية “نبض” كتبت على الفيس بوك: “هناك شيء ما ناقص”، فنضال هو الصديق “الكفو”، وخاصة في المراحل الأخيرة لعرض أي مسرحية (عند حدوث أي طارئ) نراه بحالة جاهزية واستعداد تام للمساعدة. في الواقع، لم نستطع القول لغاية هذه اللحظة أنه غائب، أنا شخصياً أقول غائب مع عدم تصديقي لفكرة الموت أبداً.
في المشهد الأخير من “ضيعة ضايعة” يقول الراحل: “ماعاد في أسعد خرشوف خلص… بح”، ولكن الواقع يقول عكس ذلك تماماً، نضال سيجري موجود بيننا دائماً، وأسعد خرشوف حاضر معنا، وسيبقى صدى صوتك المبحوح يتردد في”عطر الليمون” على مر الأيام.
جمان بركات