ثقافة

“ضبّوا الشناتي” التجربة الإنجاز

في سياق الحديث عن الأعمال التلفزيونية الرمضانية، لم يعد الحديث يُختَصَر بالكلام عن الممثل الجيد، والإخراج المتألق، والنص المحبوك بدقة، وحِرَفية في جو عام أخذ يدرك شيئاً فشيئاً أهمية، وخطورة الدور الذي تلعبه الدراما التلفزيونية اليوم، في ظل أحداث يومية متسارعة، وتهديد قائم لحاضر الأوطان، ومستقبلها، فجمهور اليوم أصبح قادراً على التمييز بين العمل التلفزيوني الذي يحترم ذائقته، وفكره، وذاك الذي يتحداه بفوقيته، وتعاليه، وابتعاده عن الحقائق التي لم تعد اليوم خافية على أحد.
والحديث عن الدراما التلفزيونية اليوم أضحى يركز بالدرجة الأولى– حتى قبل النواحي الفنية- على إحساس أصحاب هذا العمل بالمسؤولية تجاه مواطنيهم الذين لم تعد تهمهم في العمل التلفزيوني الفنيات، والتقنيات العالية بقدر ما يهمهم اقتراب العمل من واقعهم، ومعاناتهم، وقدرته على أن يكون الناطق الفني، والإعلامي باسمهم.
وحديثنا عن إحساس العمل الفني الدرامي بالمسؤولية أمام متابعيه يعني، أول ما يعنيه، النص الذي منه تنطلق كافة عناصر العمل الفني الأخرى، فالنص هو حجر الأساس الفكري الذي يبني عليه المخرج رؤيته الفنية الإبداعية، وعندما نتحدث عن أعمال درامية كانت نموذجاً في إحساسها بالمسؤولية، يبرز المسلسل الكوميدي “ضبّوا الشناتي” لكاتبه ممدوح حمادة، ومخرجه الليث حجو، هذا المسلسل الذي قارب الأزمة السورية بشكل مباشر، فوضع النقاط على الحروف بأسلوب مبسَّط عُرِف به الكاتب ممدوح حمادة الذي يثبت اليوم أنه الأول على صعيد الكتابة الكوميدية، لا محلياً وحسب، بل وعربياً أيضاً بعد مجموعة من الأعمال الكوميدية الناجحة التي حازت رضى الجمهور العربي كـ “ضيعة ضايعة”، و”الخربة”، و”مبروك”، إلى هذه السلسلة من الأعمال التي اعتمدت أساساً على الكوميديا السوداء، والتي ظهرت جلية في “ضبّوا الشناتي”، حيث تنبع الكوميديا من عمق مأساة الشخصيات، والمآزق التي تتعرض لها دون الوقوع في مطبّ المباشَرة.
إن ما يلفت النظر في شخصيات هذا المسلسل، عدم أحاديتها، وقدرتها على إظهار أكثر من جانب منها، وهو ما أعطى الشخصيات، والأحداث زخماً افتقدت إليه الكثير من الأعمال التي حاولت أن تجمع ما بين الكوميديا، والتراجيديا، فكانت أعمالاً باهتة، أحادية التناول، وبالتالي عجزت عن أن تحظى بإقبال الجمهور، واحترامه.
إن الحديث عن “ضبّوا الشناتي” يستدعي الإشادة بقدرة المخرج على ذاك الانسجام الذي تمكّن من إيجاده بين مجموعة من ألمع نجوم الدراما السورية، لا على صعيد الكوميديا فحسب، بل على صعيد التراجيديا أيضاً، وهو بذلك أكد أن الانسجام، والتماهي بين المجموعة الفنية، أمر مطلوب لضمان نجاح العمل الدرامي، وتألقه.
أمينة عباس