اقتصاد

نقطة ساخنة مخالفة ضرب مخالفة =…!.

رغم صدور كثير من القوانين الخاصة بقمع العشوائيات والحدّ من انتشارها، إلا أن محترفي وهواة الدفع والاستلام من تحت الطاولة ومن فوقها، لم يعدموا الوسيلة للالتفاف على الأنظمة والقوانين تارة، وتجاوزها تارة أخرى، وبمقدار نفوذ المخالف وقدره في المجتمع والدولة وملاءته المالية من جهة، وعدم اكتراث مسؤولي وحداتنا الإدارية وتورطهم بأعمال الفساد من جهة أخرى، بقدر ما تكون المخالفة جسيمة وراسخة رسوخ الجبال، وسنورد من واقع التجربة حالتين لندلل بهما على مدى غرابة أداء بعض وحداتنا الإدارية وازدواجية تعاطيها مع عشوائياتنا.
تمثل الحالة الأولى أحد المتنفذين الذي استطاع من خلال سطوته أن يبني طابقين إضافيين فوق بناء نظامي يتحمّل أربعة طوابق فقط حسب المعايير الهندسية المحددة لهذا البناء، ولم تستطع البلدية ثنيه عن هدفه ولو قيد أنملة، خاصة بعد أن دفع المعلوم ليس بدافع الخشية من عدم الاستمرار بالمخالفة، ولكن بدافع تقليل الضوضاء من حوله!!.
بينما تمثّل الحالة الثانية اضطرار أحد سكان القرى الصغيرة، لبناء غرفة بجانب منزله الصغير الذي ضاق ذرعاً به وبأبنائه، فاستشاط بذلك غضب البلدية والأجهزة الرقابية، لقمع مخالفته لاعتبارات تتعلق بتشويه المنظر العام والتعدي على المخطط التنظيمي وتقليص المساحة الخضراء وو..الخ، علماً أن كثيراً من المخالفات تُبنى في وضح النهار وبالعاصمة دون تدخل أية جهة، أو يكون تدخلها صورياً من باب رفع العتب وذر الرماد في العيون!!.
الآن وبعد أن استفحلت ظاهرة العشوائيات، وغزت جميع المدن والمناطق والبلدات، تضاربت الأفكار والمبادرات حول كيفية معالجتها والحدّ من انتشارها، خاصة وأنها ليست وليدة اللحظة وإنما تمتد بجذورها إلى سنوات طويلة مضت، وجاءت نتيجة أسباب عدة اجتماعية واقتصادية وثقافية، حتى بتنا أمام مشهد مشوّه يستدعي تدخلاً جذرياً وليس إسعافياً.
وهنا على متخذي القرار حيال هذا الموضوع أن يعرفوا بالضبط نقطة البداية، لوضع برامج وآليات واضحة ومحدّدة المعالم، لاستئصال هذه السرطانية العقارية، وتحديد التدخل في المناطق حسب الأولويات التي تفرضها طبيعتها، هذا إن وجدت الإرادة الفعلية للتغيير، التي تستوجب الابتعاد عن القرارات الارتجالية الآنية التي لا تغني ولا تسمن من جوع، بل العكس قد تزيد الطين بلّة، وينقلب السحر على الساحر.
أخيراً..  ما رشح عن بعض الجهات المعنية بمعالجة عشوائياتنا خاصة هيئة التطوير والاستثمار العقاري –لا يتيح المجال لذكرها في هذه العجالة- يشير إلى إمكانية التدخل بهذه الظاهرة، ولاسيما بعد إناطة هذا الملف بالهيئة، لكن ذلك يستدعي التعاون مع الجهات الإدارية وتحديداً البلديات كونها المتهم الأول بانتعاش المخالفات، ونعتقد أن الأخيرة –أي البلديات- بحاجة إلى إعادة هيكلة بشرية حصراً، بمعنى تعزيز الرقابة على موظفيها ومعرفة مدى نزاهتهم وتعاطيهم مع تجار البناء لوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وإلا سنكون (كمن ينفخ في قربة مثقوبة)..!.
بقي أن نقول: الحكومة تجهد ساعية إلى إيجاد مداخيل جديدة للخزينة في الوقت الذي تذهب فيه آلاف مؤلفة لخزائن أخرى، والسؤال الذي يفرض نفسه –ما دامت المخالفات مستمرة- هو : لماذا لا يتمّ ضبط وتنظيم هذا الموضوع “مرحلياً”، علماً أننا ضد المخالفة، والاستفادة مادياً من “الضرورات” التي أباحت المحظورات!.

حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com