اقتصاد

نقطة ساخنة مرحلة محفزات.. لا محفزات مرحلة

في إحدى الجولات الاطلاعية لأحد المسؤولين الكبار على المشاريع الاستثمارية في بلده، تناهى إلى مسامعه في أثناء زيارته لمصنع، شيئاً من المناكفات والجدال ما بين المستثمر صاحب المصنع ومرافقيه من الوزارة المعنية بمتابعة الأمور المالية (ضرائب ورسوم..)، إذ كان الأول في مشكلة مع تلك الوزارة حول عدم تسديده للالتزامات المالية المتوجبة عليه.
استوضح المسؤول السبب فأعلموه أن المصنع يعاني من ضائقة مالية حالت دون تسديده لما يترتب عليه من ضرائب ورسوم لخزينة الدولة، فما كان منه إلاَّ أن تساءل عن قيمة المتأخرات المالية، فأخبروه بمقدارها.
أردف المسؤول سؤاله الأول مستوضحاً بثلاثة أسئلة متتالية أخرى: وهل لايزال المصنع ينتج؟، فكان الرد بالإيجاب؛ وهل تخلى رب العمل عن أي من العمال لديه؟ فأكدوا لا؛ وكم يبلغ عدد العمال في المصنع؟ قالوا: 1500 عامل.
هنا ما كان من المسؤول إلاّ أن أمر بإسقاط جزء من المستحقات، وتأجيل ما تبقى لحين تحسّن الأوضاع التي يمر بها المصنع وعندما يكون بمقدور صاحبه الدفع.
للعلم قرار المسؤول جاء رداً على تلك العقلية الاقتصادية غير الديناميكة المحكومة بنص القانون، إذ كان مصير المصنع الإغلاق لحين التسديد!!.
هي واقعة نسردها للعبرة فيها، وهي دلالة على الفكر الاقتصادي اللازم والمطلوب المرونة فيه وفقاً للظروف المؤثرة سلباً في مرحلة ما.
ولعلّ ما دفعنا أيضاً لعرض هذا، هو تصريح وزير الاقتصاد، الذي أكد فيه أنه يجري حالياً وضع قانون جديد ليكون بمثابة مظلة لكل أشكال الاستثمار، على ألاّ يكون قانون إعفاءات ضريبية بل لمنح مزايا تحقق الأولويات في الإنتاج المحلي وتعزيز القيمة المضافة محلياً، ولاسيما أنه يرى أن الصناعة الوطنية تحتاج إلى فترة من الرعاية والحماية الجديدة تستهدف ترميم بنيتها الصناعية وزيادة قدرتها التنافسية، نظراً لما طالها خلال فترة الأزمة.
للضرورة نمرّر أولاً وعلى الهامش التذكير بالقول: إن وزير الاقتصاد الحالي هو الثالث على التوالي إضافة لوزير الدولة لشؤون الاستثمار، يعلن عن قرب تجلي قانون الاستثمار الجديد.
أما حول ما لمّح إليه فيما سيتضمنه القانون المنتظر، فنحن لا نختلف معه عموماً، لكن واستناداً لما قاله حول ضرورة الرعاية والحماية، نرى أن ينظر بموضوع الضرائب لناحية تصاعديتها ومراعاتها لحجم العمالة المشغلة في أي مشروع، وخاصة في هذه المرحلة حيث يعدّ تأمين فرص العمل عاملاً رئيسياً وهاماً في تخفيف الكثير من التداعيات الاقتصادية والاجتماعية المعاشية، مع لفت الانتباه إلى أن ليس كل مشروع كبير يفترض بالضرورة ضرائب عالية، إذا أن هناك مشاريع صغيرة وخدمية بتكاليف قليلة تحقّق أرباحاً عالية ومستدامة، وتكون فيها نسب المخاطرة ضعيفة جداً.
موضوع نأمل أخذه بالحسبان، إذ ليس بالقوانين وحدها يحيا الاستثمار، لأننا نعتقد بضرورة تطبيق مرحلة من المحفزات.. لا محفزات مرحلة.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com