ثقافة

كتابات تناولت العمل الفدائي ونصوص رومانسية مفتوحة

أعادتنا جلسة الأربعاء في مقرّ الأمانة العامة لاتحاد الكتّاب والصحفيين الفلسطينيين إلى أدب المقاومة والكتابات التي تناولت بدايات العمل الفدائي بعد الشروخات والانكسارات التي خلّفتها أوجاع هزيمة حزيران،تلك الكتابات المخضبة بلون الدم والمتوهجة بخطورة الطريق ووصف العمليات والهامسة بحلم العودة، لتثير في ذاكرتنا مشاهد من كتابات غسان كنفاني الممتزجة بعبق البرتقال الحزين والرصاص الغادر،هذه الكتابات التي انصرف عنها كثيرون وغابت عن أنشطتنا الثقافية -كما قال الحاضرون- رغم أنها مرحلة مفصلية في تاريخ المقاومة.
والأمر اللافت أيضاً مشاركة الشاعر سليمان دغش من داخل الأراضي المحتلة بقصيدة “ألف ليلة وليلى” بإرسالها عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعي ليقرأها الأديب عبد الفتاح إدريس ولتكون بداية لمحور أساسي باشتراك أدباء وشعراء من داخل الأراضي المحتلة ضمن محاور الجلسة.

بطولات الفدائيين
بدأ الأديب عبد الفتاح إدريس بقراءة قصته “الشهداء” التي كانت أشبه بمناخات رواية صغيرة تسرد متتاليات بمستويات سردية مختلفة تنقل النصّ من موضع إلى آخر،وتدور حول جزئيات تنفيذ عملية فدائية على الضفة الثانية من غور الأردن، يسردها البطل المهيمن على عتبات النص كشاهد عيان عاشها الكاتب بواقعية تامة -كما ذكر إدريس- وتتناول العمل الفدائي في بداية السبعينيات في غور الأردن من خلال رحلة صحفي إلى المعسكر، فتماوج صوت السارد بضمير المتكلم مع البعد الوصفي لجغرافية المكان مع دلالات رمزية للبعد الزمني وإيحاءاته الرمزية مثل “صيحات الليل” دلالة على الخطر الذي يلف المكان إلى حرارة لاهبة تشعرنا بقرب الاشتباكات،لينتقل السارد إلى معسكر الفدائيين والطريق المؤدية إليه “كانت السيارة تسير في الطريق الذي حفرته الآلات الحربية والدبابات،لينتقل إلى فضاء سردي مفتوح يعبّر عن معركة الكرامة وخطوات تنفيذ العملية بعد الفجر “كانت الشمس تنكسر على الأوراق” وصولاً إلى ذروة الحدث بعد عبور النهر خلسة وعلى غفلة من رصاص العدو بالهجوم على دورية للعدو الإسرائيلي اعتادت المرور يومياً “خصوصية الموقع فرضت إجراءات متشددة على حركات المقاتلين وقسمات وجوههم” نجحت المهمة  لكن استشهد ذاك الشاب الذي تقارب مع البطل وكان يحلم بالعودة إلى نابلس، أثار القاص عبْر سطور القصة تساؤلات بأحقية العودة وركز على العلاقات الإنسانية التي تربط بين الفدائيين “لاخصام لاتلاسن لاخلاف، على وفاق” .وبقيت القفلة موضع اختلاف بين الحاضرين”.
وما أثير حول القصة رغم جماليتها وحالة الوصف لجزئيات المكان ودقة سرد (التكنيك العسكري) بعدها عن التكثيف ومضيها بصوت واحد،ووجه الكاتب أيمن الحسن تساؤلاً حول الصراع لماذا لم يكن محتدماً ومستمراً من خلال القفلة فبدلاً من إحضار جثة الشهيد لماذا لم يدفن مباشرة في الضفة الأخرى؟وأورد مقاربة مع أحد أبطال الطيب الصالح حينما ترك جثة البطل تمضي بانسيابية مع أمواج النهر.
حميمية المكان
ومن أجواء القصة إلى الشعر إذ شارك الشاعر الشاب رضا الرفاعي بقصيدتين من الشعر الموزون،”عشق دمشقي” التي تغزل بها بدمشق وجمال أقواسها وأبوابها، بعبق ياسمينها الذي له منزلة في دُورها تشبه منزلة الكحل في العين،واتسمت القصيدة بخصوصية وقع الأمكنة والتأثر بها ليبقى جبل قاسيون الذي استخدمه الشعراء بصور مختلفة رمزاً لعنفوان دمشق وشموخها،أما قصيدته الثانية أحلام اليقظة فكانت أقرب إلى البوح بمكنونات الذات.
“على تعب غفوت وليت قلبي/ينام إذا غفوت وليت عيني/أفق من المنام لأغفو أخرى  وأكمل مغرماً حلماً لجيني”
أعجب الحاضرون بانسيابية الألفاظ فرغم تمكنه من الوزن والقافية لم يعتمد على الألفاظ الجزلة،وتمكن من الإكثار من التشابيه لكن استخدامه مادة الرخام في إحدى الصور لم يكن موفقاً.

الاتكاء على الموروث
كما شارك الناقد عماد فياض بقراءة نماذج من نصوص مفتوحة على عدة احتمالات ودلالات هي أشبه بخاطرة شعرية،يستحضر فيها شريط الذكريات لمشهد تجمع الصبايا في حقل القمح وجمع أعواد القمح ومن ثمّ فرزها لصناعة أطباق القش الملونة،والتي ترمز إلى التاريخ والتراث الجولاني والفلسطيني،نلمح في نص”طبق قش” جمالية السرد الشعري المتداخل مع وصف الطبيعة والغائر داخل خطوط الذات،ليعكس هواجس تلك الصبايا ومشاعرهن المختلطة مابين الفرح والحزن بين بعضهن اللواتي يحلمن بالزواج وأخريات يبكين حبيباً غادراً “نبضة نبضة، شهقة شهقة” لينتهي برائحة الخبز الذي يُحمل بالطبق  “…وعدم أخذ أيّ من أعواد القمح فصّرن مكسورات الخاطر،أم هل التقين بعشاق يسندون قاماتهم مع أسيجة الكروم ينظرون إليهم خلسة بعيون قروية ساذجة ذابلة زائفة..وماذا وماذا..”
كما قدم نصّاً آخر بعنوان “صورة عائلية” أكثر قرباً من الذات وأشاد الحاضرون بحالات البوح المستندة إلى مستويات دلالية،وما أثير حوله واقعية العنوان التي تشي بمضمون النصّ والتي أفقدته بريقه.
وخلصت الجلسة إلى مقولة الكاتب أحمد جميل الحسن الذي ترأس الجلسة وقال: إن نُبل المضمون الإنساني للقصة لاتشفع للقاص بتجاوز مقومات القصّ وعناصره وطلب من الحاضرين التركيز على القيمة الفنية للقصة.
ملده شويكاني