دراساتصحيفة البعث

فيتو أمريكي على الدولة الفلسطينية

ريا خوري

لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية يوماً عن دعم الكيان الصهيوني بكل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني. فقد استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن الدولي ضد مشروع قرار جزائري تم تقديمه باسم المجموعة العربية يدعو لقبول دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة، متحدية العالم بغطرستها وعنجهيتها في محاولة لعرقلة القرارات الدولية الداعمة للقضية الفلسطينية.

الجدير بالذكر أنه للمرة الثالثة تستخدم الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار طرحته الجزائر في مجلس الأمن يطالب بوقف فوري لإطلاق النار في غزة، وذلك منذ بداية العدوان الصهيوني على غزة، ومؤخراً أيّد مشروع القرار الذي تقدّمت به الجزائر الذي يدعو لقبول دولة فلسطين عضواً كامل العضوية في هيئة الأمم المتحدة 12 عضواً من بين أعضاء المجلس الخمسة عشر، وامتنعت المملكة المتحدة وسويسرا عن التصويت، بينما شهرت الولايات المتحدة الأمريكية كعادتها سيف حق النقض (الفيتو) في وجه القرار، لتبرهن من جديد عداءها وتنكرها لحقوق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الفلسطينية وعاصمتها القدس، بل مشاركتها في حرب الإبادة الجماعية (جينوسايد) التي يشنّها جيش العدو الصهيوني في قطاع غزة، والضفة الغربية، إذا ما تذكرنا أن هذا (الفيتو) الأمريكي استخدم أيضاً أربع مرات خلال سبعة أشهر لإحباط مشاريع قرارات تدعو إلى وقف الحرب العدوانية الوحشية على قطاع غزة.

في هذا السياق يؤكد الموقف الجزائري أن قبول العضوية الكاملة لفلسطين يعدّ خطوة مهمة وحاسمة (نحو تصحيح ظلم طال أمده ويمثل إشارة واضحة إلى وقوف المجتمع الدولي إلى جانب فلسطين وشعبها).

ويؤكد (الفيتو) الأمريكي الجديد أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية، حيال الصراع الفلسطيني الصهيوني والصراع العربي الصهيوني، بقيت على الدوام الداعم الأكبر للعدو الصهيوني، والمشارك الرئيسي في جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها قوات الكيان المجرمة بحق الشعب الفلسطيني، وأولها التنكر للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

وهذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة الأمريكية حق النقض  (الفيتو) تجاه العديد من القرارات في مجلس الأمن الدولي التي تخدم ولو بالنزر اليسير الشعب العربي  الفلسطيني وحقوقه الوطنية المشروعة التي أقرتها الشرعية الدولية.

وعلى الرغم من أن مجلس الأمن الدولي الذي تم تأسيسه عام 1945، تم تشكيله في الأساس بحجة تحقيق الأمن والعدالة في العالم، إلا أنّ احتكار الدول الخمس الكبرى فيه لحق النقض بدّد الآمال التي عُقدت على هذا المجلس، إذ تكفي الإشارة بوضوح إلى أنّه ووفق الأرقام الرسمية تم استخدام هذا الحق مئتين وستين مرّة منذ إنشاء المجلس، وكان نصيب الولايات المتحدة منها مائة وأربعة عشر مرّة من بينها ثمانون مرة استخدمت فيها حق النقض (الفيتو) لمنع إدانة (إسرائيل)، وأربعة وثلاثين مرّة ضد قرارات تساند حق الشعب الفلسطيني وتساهم في حل قضيته المركزية.

الغريب في الأمر أنّ الولايات المتحدة الأميركية التي تزعم رغبتها في رعاية عملية سلام دائم بين الشعب الفلسطيني والكيان الصهيوني وتصف نفسها بـ(الوسيط النزيه)، تعتمد سياسة عدوانية ممنهجة تقوم على دعم الكيان الصهيوني بكل أشكال الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني، وتقف إلى جانبه في المنظمات الدولية، بما في ذلك هيئة الأمم المتحدة، كما أنّها تغمض عينيها عن عمليات سرقة الأراضي الفلسطينية ومصادرتها والتوسع فيها على حساب الشعب العربي الفلسطيني وعمليات التهويد وإقامة المستوطنات، وانتهاك المقدسات الإسلامية والمسيحية على حدّ سواء، كما أنها اعترفت بمدينة القدس عاصمة للكيان الصهيوني الغاصب، في انتهاك واضح للقرارات والشرعية الدولية الخاصة بالمدينة المقدسة وبالضفة الغربية باعتبارها أرضاً فلسطينية محتلة.

إن الموقف الأمريكي المعارض لانضمام فلسطين كدولة عضو في هيئة الأمم المتحدة، يصعب تفسيره، إذ بينما يكرّر جميع المسؤولين الأمريكيين أنهم مع حل الدولتين، حسب القرارات الدولية ذات الصلة كالقرار ٢٤٢ والقرار ٣٣٨، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تسعى بكل قوة إلى وضع جميع الحواجز والعراقيل أمام تجسيد فكرة الدولة الفلسطينية وتثبيتها على الأرض، متماهية في ذلك مع مواقف الكيان الصهيوني بجميع قواه السياسية، وزاعمة أن اعتبار فلسطين دولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة، سيترك تداعيات سلبية على عملية السلام في المنطقة، وسيعرقل جميع الجهود الدولية للتوصل إلى حل سلمي ودائم للصراع العربي الصهيوني، بل الأكثر مدعاة للتساؤل القول: إن قيام الدولة الفلسطينية  وعاصمتها القدس يتم من خلال مفاوضات بين القادة الفلسطينيين والقادة في الكيان الصهيوني، وهو تبرير لعدم قيام الدولة الفلسطينية مطلقاً لأن الكيان يرفض رفضاً قاطعاً  قيام هذه الدولة ولا يعترف حتى بوجود الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والتاريخ.

لقد تابع العالم بقلق كبير الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية، ويؤكد الكثير من الخبراء والباحثين الاستراتيجيين المتابعين للصراع أن استخدام الولايات المتحدة  الأمريكية حق النقض لمنع انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة مستقلة يعزّز الانفصال الأمريكي عن العملية السياسية التي يتم طرحها بين الفينة والأخرى في الشرق الأوسط، ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك استحالة أن تكون الولايات المتحدة  الأمريكية وسيطاً في أي عملية سلام في المنطقة، وأن الجهود الدولية لدعم حق فلسطين في العضوية الكاملة في الأمم المتحدة ستبقى مستمرة ولن تتوقف.

في حقيقة الأمر، السياسات التي تنتهجها الولايات المتحدة الأمريكية تكون بمنزلة تحديات وانتقادات كثيرة بسبب انحيازها القوي وغير المحدود للكيان الصهيوني، بما في ذلك تقويض صدقيتها في العالم كوسيط في عملية السلام المنشود، وخاصة أنها تقف ضد تطبيق قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة عام ١٩٤٩ الذي يحمل الرقم ١٨١، والقرار رقم ١٩٤ الذي يطالب بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والتعويض عليهم.

لذا لم يكن من المستغرب أن تتجاهل الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحقائق وتواصل دعم الكيان الصهيوني والوقوف إلى جانبه وعرقلة كل محاولات استعادة فلسطين مكانتها بين دول العالم كدولة كاملة العضوية في هيئة الأمم المتحدة.