ثقافة

“الطريق إلى الشمس” مسرحية غنائية تبعث الأمل في القلوب

منذ انبثقت الحضارة الإنسانية وسورية هي المهد والبوصلة، مهد المدن الأولى في التاريخ ومهد أولى الصيغ التنظيمية في المدنية والقانون والتجارة والسياسة والإبداع والحرف، مهد الأبجدية والموسيقى والأسطورة والفكر والفنون، ولهذا فهي مهد الشمس، شمس كل ما يمكن أن يخرج الإنسان من ظلمات جهله إلى آفاق النور.
بعد غياب طويل للمسرح الغنائي الاستعراضي السوري تقدم وزارتا الثقافة والإعلام ودار الأسد للثقافة والفنون بالتعاون مع مؤسسة ميثا للإنتاج الفني “الطريق إلى الشمس” وهو عمل من رؤية وإخراج ممدوح الأطرش، تأليف النص: الناس يلي كانوا، إعداد النص والشعر: كفاح الخوص، وألحان الموسيقار طاهر مامللي بطولة نورا رحال، كفاح الخوص، وسيم قزق، ميس حرب، حسين عطفة، عباس الحاوي وفيصل الراشد، وسيكون العرض في 5-6-7\5\2015 في مسرح الأوبرا في الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون في تمام الساعة السادسة.

لمحة عن العرض
في الأمس عقد المؤتمر الصحفي للعرض المسرحي الغنائي “الطريق إلى الشمس” ويروي حكاية بلهجة سورية تلخص تاريخاً طويلاً من صمود شعب لطالما هزم العدوان، حكاية جسدت عبر الزمان صمود الشعب السوري وتمسكه بهويته وأرضه منذ الاحتلال العثماني مروراً بالانتداب الفرنسي وصولاً إلى يومنا الحاضر وما يلم ببلادنا من هجمات تستهدف هويتنا.
أبطال المسرحية  مستلهمون من التاريخ، فـ”ميثا” “نورا رحال” شخصية واقعية كانت حكايتها مع الوالي التركي “ممدوح باشا” المسبب لبداية الثورات ضد الأتراك، وتتحول من امرأة من لحم ودم في التاريخ إلى الرمز في الحكاية فتصبح هي الأرض والأمل.
ويتوالى الولاة الظالمون: “سامي باشا الفاروقي” الذي أعدم سبعة من أبطال الوطن في ساحة المرجة في دمشق ثم “جمال باشا السفاح” الذي أعدم شهداء 6 أيار في دمشق وبيروت، وما كان من الناس إلا أن هبّوا للدفاع عن الأرض والعرض ليطردوا العثمانيين ولتتحرر البلاد من احتلال دام 400 عام.
ولا تلبث فرحة الناس أن تدب في قلوبهم حتى يأتي المحتل مرة أخرى فيدخل “غورو” دمشق ويستشهد البطل الهمام “يوسف العظمة” ويعاني الشعب السوري ما يعانيه من ظلم المحتل ولكن هيهات أن يرضخ هذا الشعب ويستسلم لمن يغزو أرضه فتعم الثورات كافة الأراضي السورية لتطرد الغازيين عنها. توثقهم المسرحية بالاسم الشيخ “صالح العلي” و”إبراهيم هنانو” و”القاوقجي” و”المريود” والشيخ “الأشمر” و”ملحم قاسم بعلبك” وغيرهم.
وتتواتر الأحداث سريعاً لتصل إلى ما يمر به الآن الشعب العربي عامة وسورية خاصة من تآمر على هذه الأرض الطهور، فكما قدموا وضحوا في الماضي ها هم الآن يواجهون الغزاة الجدد فالظلم واحد والمستعمر واحد مهما غير أشكاله وألوانه وأساليبه.

الإعلام لا ينفصل عن الفن
وبدأ المؤتمر الصحفي بكلمة المخرج ممدوح الأطرش إذ قال:
كل ضحكة صورت كلمة، وكل آه صارت جملة، وكل حبة من حبات التراب جمعت، وعملنا مسرحية.
كل أغنية تحكي عن ألف حكاية، والحكاية حدودها تصل للشمس، والناس في هذا الوطن هم الأهل الذين عاشوا من سنين، وأولاده هم نحن، منهم أبطال عيونهم تحرس وترد عنها الغازيين، ومنهم أقمار، ومنهم تولد فيهم شمس.
يدور دولاب حكايتنا سنة ألف وثمانية وستة وتسعين ومازالت لليوم، جمعنا فيها حسرات الناس حسرة حسرة، والحسرات صارت نشيداً، والنشيد يتغنى، ولهذا السبب أصبحت ضيعتنا أغنية يغنيها الزمان، وحتى يعود المطر من جديد، خرج الناس يرقصون ويبتهلون وينتظرون العيد، وكانت إيقاعات الرقصات تعلو حتى تصل للمدى البعيد.
أصحاب العمل أشخاص حقيقيون وليسوا من نسج  الخيال، وعليهم تم بناء آمال وآمال، كتبوا القصة، ونحن أخذناها وصغناها، منهم من كتبها بدمه وأصبحت سطورها حمراء، ومنهم من كتبها بالحبر المالح على الجبين وعلى الزنود التي حملت منجل ومعول وبارودة، ومنهم من كتبها بزغرودة وصارت حكاية.
وفي نهاية المؤتمر كان لـ “البعث” وقفة مع مخرج العمل فقال: يحتاج العمل الفني الكبير دوماً إلى بدء انطلاقة، والمؤتمر الصحفي هو إعلان عن انطلاقة “الطريق إلى الشمس” وأنا أدعو كل الإعلاميين لحضور هذا العرض لأن الإعلام لا ينفصل أبداً عن الحالة الفنية فهو وسيلة لإيصال تعب الفنانين إلى الجمهور، ومؤاخاة له ومشاركته تعبه ونقله إلى المشاهد.

الإحساس بالمسؤولية
وإحساس الفنانة نورا رحال بالمسؤولية تجاه وطنها دفعها لأن تقوم بعمل ما، فترى أنه من السهل جداً أن يقول أي إنسان “ليس لي علاقة بأي شيء”، وحتى تربية الأولاد تعتبر نوع من المسؤولية لتربية جيل جديد فتقول بطلة سفر نرجس: شعرت أنني أريد الاقيام بتغيير ما وهذا ما فعلته “ميثا” كثائرة انطلاقاً من إحساسها بالمسؤولية وأنها تريد التدخل في محاربة الاستعمار. وعن الوضع الراهن تؤكد صاحبة الصوت الجميل: مهما طالت السنون -ويمكن أن تطول- ترسباتها موجودة وسنعاني منها، ولكن مهما طال الزمن يجب أن نعرف أن الله حق وكل شعب تعرض لهذا الأذى انتصر في النهاية، هذا ما يقوله العمل، وهي ليست المرة الأولى التي يمر على هذا الشعب مثل هذه المؤامرة.

طريق الحب والمعرفة
ولم يتخل كفاح الخوص، راوي العرض، عن إشارته في المؤتمر لغياب وزيري الثقافة والإعلام، واستمر بالتلميح عندما سأله أحد الإعلاميين عن العرض فكان جوابه ما عليك إلا أن تلبس جاكيت رسمي وتضع ربطة عنق وتأتي إلى دار الأوبرا لتحضر العرض.
وعن دوره في العرض الغنائي يقول مخرج “في بار بشارع الحمرا”: “الطريق إلى الشمس” هو الطريق الذي لا يستطيع أن يمشي فيه الجميع لأنه طريق غير مرئي لا يمكن رؤيته، هو محسوس في كل لحظة ولا يراه الطغاة، وهو طريق مشى فيه كل شهيد اتجه إلى النور والمعرفة وحب الوطن وكل ما فيه.

الحب في زمن الحرب
أيضاً هي أول تجربة له على خشبة المسرح، فرصة يعوّل عليها صاحب الصوت الرفيع حسين عطفة من خلال شخصية “أسعد” وهو شاب من الضيعة يقرر أن يثور على الاستعمار الذي يتجدد ويتبدل بكل زمان ومكان، فيعبر عن تجربته الأولى شاكراً المخرج والمؤلف على هذه الفرصة قائلاً: لقد أعطوني  كل المواد الأولية لأصنع منها عجينة جيدة، لذلك سأكون حسين عطفة على خشبة المسرح بغض النظر عن كوني مغنٍ، وسيكون لدي خط في عيش حالة الحب في زمن الحرب، وهو شيء مركب سأحاول قدر استطاعتي أن أوصل الشعور الصحيح.

الأمل في الطفولة
أما “زهرة” الفتاة الطيبة فقد علمتها الحرب القسوة فتقول صاحبة الصوت العذب ميس حرب: دوري متمثل بالحب والأمل في الحياة حيث تتغير “زهرة” ولم تعد الفتاة الطيبة وتفقد الأمل من انتظار حبيبها الثائر الهارب من المستعمر.
وتضيف: تحول المعارك والحروب “زهرة” إلى شخص يفكر للمستقبل بقسوة أكثر، وتموت الشخصية ويتبين للجميع أن الأمل انتهى، ولكننا في نهاية المسرحية نؤكد أن الأمل دائماً موجود من خلال الأجيال المستمرة الذي تتمثل في النهاية بظهور الطفل. أما عن الغناء فتقول خريجة المعهد العالي للموسيقى: دوري ليس تمثيلي بحت، وإنما مترافقاً مع الغناء، وسأقدم لوحتين مع الحبيب الأولى تحكي عن الأحلام والحب وستكون مسجلة والثانية بدون موسيقى فقط غناء.

نضال حقيقي
وخلال المؤتمر الذي عقد في دار الأوبرا، لم يجد الفنان الكبير عبد الرحمن أبو القاسم مبرراً لعدم وجود السادة الوزراء واعتذارهم عن الحضور مؤكداً أن العمل الصحفي لا يقل أهمية عن عملهم في مكاتبهم، فهو أيضاً نضال.
ويتابع أبو القاسم مداخلته: كنت أتمنى أن يحدث هذا اللقاء بعد العرض وحينها نكون قد تعرفنا إلى “الطريق إلى الشمس” وبرأيي إن تقديم أي عمل الآن في ظل هذا الوضع الذي نعيشه وفي هذه المرحلة هو نضال حقيقي يجب أن نساهم جميعنا في بلورته وتقديمه.
جمان بركات