ثقافة

الطموا… يا عرب !

في واحد من حوارات المسلسل المصري “حارة اليهود” يخرج علينا التاجر اليهودي هارون” محاضراً في الوطنية والأخلاق قائلاً: “لو مصر كلها طلّعت فلوسها بره مصر، أنا مش حطلّعها، عشان دي خيانة”. هذا المسلسل الذي أغدق عليه منتجوه فظهر غنياً ثرياً سواء من الناحية الفنية أو التاريخية، وهو غطى الفترة بين أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي، وبني على قصة حب تنشأ بين “علي” الضابط في الجيش المصري، والجميلة “ليلى” الفتاة اليهودية، التي قدمها المسلسل بأبهى صورة أخلاقية قاربت الملائكية إلا قليلاً. ابنة هارون التاجر الذي يحظى باحترام الجميع في محيطه المتعدد الانتماءات والأطياف، بينما عمد العمل إلى إظهار منافسة ليلى في حب الضابط بصورة أقرب إلى السوقية “ابتهال” ابنة البلد فتاة عادية من بيئة متدنية والدها المعلم الذي يتحاشاه أبناء الحي فيدفعون له الإتاوات اتقاءً لشرّه وخوفاً من بطشه، فظهر بصورة مثيرة للاشمئزاز انعكست تلقائياً على وضع ابنته، التي تلجأ إلى طرق وأساليب وضيعة وغير مقبولة خلال صراعها مع ليلى لاكتساب حب الضابط، بينما ظهرت ليلى في قمة الأخلاق حتى النهاية، حينما اضطرت للاستجابة لضغوط والدتها فتقبل الزواج من ابن جلدتها العجوز الثري “صفوت” وذلك إنقاذاً لوالدها من الإفلاس بعد احتراق محله وتعرضه للخسارة، ثم تقتلها الحيرة إثر عودة الضابط من الأسر فتتمزق مشاعرها بين وفائها للأب المفلس والحبيب الذي يعود وقد جفت مشاعره نحوها، فتكون الضحية التي سيبرر لها المشاهد كفرها بالوطن “مصر” وبالحب في صورة “علي” وبالتالي سيبرر لها الهجرة إلى الوطن الموعود. في المقابل تستمر صورة الآخرين بالتدهور من “ابتهال” التي تنتقل للعمل كراقصة في كباريه بعد هروبها من المنزل، وتيريز التي يكتشف الزوج أنها تخونه مع شقيق ليلى “ولا تخفى على أحد رمزية الأسماء”.
وليس بعيداً هنا في باب الحارة “الملحمة التي يبدو أننا لن نشهد لها نهاية” يظهر لنا الطبيب موسى بأفضل صورة طيباً حنوناً كريماً متسامحاً، يظهر من الغيرة على بلده “الشام” كسواه من أبنائها، ويقف في وجه الفرنسي ويحاربه بكل طاقاته، بينما طالعتنا ابنته سارة محبوبة العكيد “معتز” كفتاة طيبة خلوقة متعاونة مع أصحاب المنزل الذي لجأت إليه” حتى أنها فاجأت الست سعاد بأنها تزرع الورود في الدار، وساهمت كجميع نساء الحي في التعويض لأهل الحارة عن خسائرهم بعد حادثة الحريق، بأن تبرعت بجميع ما تملك من مصاغ، ثم أتانا الحاخام كرجل دين خلوق يعمل على درء الفتنة بين أهل الحارة، ويضغط على الأطراف لإتمام الزواج بين سارة الخلوقة و”عكيد” الحارة المتهور الذي أهمل زوجته الأولى كرمى لعيني الحبيبة.
هل نستمر ونعدد أكثر ونشرح عن الكرم الذي ظهر به يهود الحي بصورة نسفت كل ما نعرفه وما رسخ في الذاكرة من أدبيات عالمية عن البخل والربا وصورة “تاجر البندقية” عن الشجاعة والنخوة والحرص على العرض التي أبداها الأخ وصديقه، والذي محا كل ما هو معلوم ومثبت في كتب التاريخ، وفي بروتوكولات حكماء صهيون التي تعتبر أهم مرجعية لهم، حتى أنه يتقدم بذلك على التوراة، والذي يحلل استخدام نسائهم للغايات والأغراض السياسية، ونحن لم ننس بعد تصريحات وزيرة خارجية إسرائيل “تسيبي ليفني” عن نشاطاتها الخاصة مع العديد من الشخصيات في سبيل التوصل إلى معلومات تفيد دولتها، وذلك بتصريح من أكبر مرجعية وحاخام يهودي.
في أوقات صعبة كهذه التي نمر بها، لا يمكن للنوايا النبيلة أن تبرر تقديم هذه الأعمال في ظل واقع تثخن فيه أجساد هذه البلاد بالجراح والآلام والأوجاع وتحاط بالموت والقتل والدمار والمؤامرات، التي لا يخفى على عاقل فعل أصابع عدونا الأساسي فيها، لابد أن تكون هذه الرسائل مرفوضة، لما لها من دور في غسل للأدمغة الجاهزة أساساً للاستقبال، وتدجين للعقول وترسيخٍ لفكرٍ جاهل خاضع، المستفيد الأول منه هو عدو يبرع دوماً في توظيف الإعلام بكل أنواعه لخدمة غاياته وتطلعاته، وأنا قد تعلمت يوماً وآمنت “أن ليس لنا من عدو يقاتلنا في ديننا وحقنا ووطننا غير اليهود” وهي ليست دعوة لمحاربة اليهود فقط كيهود لكنها دعوة لفهم أننا نحارب عدو يضع يده على جزء غالٍ من ترابنا، يحاربنا في ديننا وعقيدتنا وأرضنا وما هو حق لنا، هم الطغاة والمعتدون، والعنصريون، ونحن لدينا الحق كل الحق وعلينا الواجب كل الواجب بالدفاع عن هذا الحق، وإلّا… أوجه لكم الدعوة أن “الطموا يا عرب” .
بشرى الحكيم