ثقافة

الكسندر دوما.. الزنجي الذي أصبح أعظم روائي فرنسي

روائي وكاتب مسرحي فرنسي عُرف بتحليله  للمشكلات الاجتماعية تحليلاً تغلب عليه نبرة أخلاقية, ويعتبر مبدع الملهاة الخلقية أيضاً، تمتاز مسرحياته بالحبكة الفنية ومتانة البناء وروعة الحوار. وبعد المسرحيات الناجحة التي كتبها تحول دوما إلى كتابة الروايات, كما انجذب إلى أسلوب حياة الإسراف وكان ينفق أكثر مما يكسب, ثم نشر سلاسل روائية كثيرة في الصحف, وفي عام 1838 أعاد دوما كتابة واحدة من مسرحياته كأول سلسلة روائية له (الكابتن بول) أسس أستوديو إنتاج وعمل مع كتّاب أخرجوا مئات القصص.

كانت روايات دوما مرغوبة فسرعان ما ترجمت إلى الانكليزية وغيرها من اللغات كذلك كتب مجموعة متنوعة من الأعمال حيث بلغ مجموع مانشره خلال حياته 100000 صفحة، وساهم في تأليف كتب الرحلات التي استقى أحداثها من رحلاته العديدة التي قام بها.
وإذا كانت رواياته التاريخية المثيرة قد حفلت بنزوع غالبية شخصياتها إلى الانتقام من السادة الحكام دفاعا عن الشعب الفقير والعدالة الاجتماعية, فإن دوما تمكن أخيراً، وبعد مرور مئتي سنة على ولادته من تحقيق انتقامه الأكبر, ممن ناصبوه العداء, غيرة وحسداً, وذلك عندما اتخذت الأكاديمية الفرنسية وبكامل أعضائها, قراراً بنقل رفاته إلى مقبرة “البانتيون” لترقد روحه بسلام, جنبا إلى جنب مع زملائه الخالدين من الكتّاب الكبار مثل فيكتور هوغو وأميل زولا- الذين رفدوا الإنسانية بأجمل وأرق الإبداعات الأدبية والفنية التي شكلت جزءاً كبيراً من التراث الحضاري الخالد، وبذلك يكون الكسندر دوما قد انتقم ممن أعلنوا عليه الحرب أثناء حياته وبعد رحيله, وانتصر على أصحاب الإشاعات  المغرضة من نقاد وكتاب وباحثين رفضوا الاعتراف به كعبقرية روائية فريدة, أنتجت عشرات المؤلفات خصوصاً الروائية منها, مازالت حتى اليوم تحتل رأس القائمة  في بورصة القراء والمبيعات، ومصدر خيال لا ينضب لصنّاع المسرح والسينما والتلفزيون.
أما أبشع السهام التي أصابت الكسندر دوما في حياته ولازمته عقوداً طويلة بعد رحيله، فهي تلك التي ارتبطت بأصوله وانتمائه إلى العبيد لجهة جدته، وهذا ما لم يتنكر له الأديب الكبير، بل واجهه بشجاعة فرسانه الذين ملأوا صفحات رواياته, وحيث كتب في مذكراته التي لم يتمكن من إنهائها قبل وفاته, وكذلك ما يتكرر دائما على لسان شخصياته الروائية, أن الإنسان لا يتحكم بأصوله, لكن بالتأكيد قادر على التحكم بأعماله وتحويل مسار حياته من العبودية إلى الحرية، ومن الجهل إلى المعرفة, ومن مفعول به إلى فاعل مؤثر في الأحداث والتحولات كبيرة كانت أم صغيرة، وهذا ما يبدو جليا في أكثر مؤلفاته, وحيث الفرسان المغامرون –الأبطال الشرفاء ينتمون إلى الشعب المقهور, ويولدون من خيال خصب وحروف رشيقة وتحولات سريعة ليصبحوا حقيقيين على صفحات روايات خالدة.
وصلت مؤلفات دوما حوالي 606 مؤلفات ما بين الرواية والقصة الطويلة والقصيرة والتاريخ والرسائل  والنقد والرحلات. وحيث تمكن على الدوام من التقاط كل مشهد وحدث وشخصية حركّت خياله وعقله وأحاسيسه وأنامله, للتحول بسرعة مذهلة إلى عمل أدبي يتلقفه الناشرون والقراء بلهفة ورغبة. لقد حارب دوما العبودية بكل أشكالها وأساليبها بسلاح الكلمة الشعبية البسيطة التي توفرّت له سخية معطاءة, مدعومة بخيال واسع يلتقط الأحداث ويحيلها إلى سيناريوهات حية بتفاصيلها.

الفرسان الثلاثة
في روايته الفرسان الثلاثة حيث تدور أحداثها الشيقة حول مغامرات شاب يدعى دار تاينان, غادر منزله سعياً لتحقيق حلمه بأن يكون فارساً, إذ لم يكن ممن يحملون هذا اللقب، وتحكي عن كيفية تعرفه بأصدقائه الفرسان الثلاثة بعد صدامه معهم في البداية, وفيما بعد صاروا متلازمين وعاشوا تحت شعار الواحد للكل والكل للواحد، ومصير الكونت دومونت كريستو حيث تدور أحداث القصة في فرنسا وايطاليا وبعض جزر البحر المتوسط, والأحداث التاريخية في الرواية غير محددة أو متجاهلة بشكل متعمد حيث أنها تركّز على قضايا العدالة والانتقام والرحمة والتسامح في إطار من المغامرة والدراما الكتابية. ورواية ظلال الملكة مارغو والكونتيس. الكسندر دوما –هو الذي –وصفته جورج صاند بـ”عبقرية الحياة مشيرة إلى نتاجه الأدبي الغزير المشع, المثير, والمؤرخ الذي جعل من التاريخ مسرحاً لروائعه الخالدة. وأكثر من ذلك شكّل دوما في زمانه عاصفة أدبية غير مسبوقة, وروائيا على جانب كبير من الشهامة والكرم والفضول وارتباط سياسي إنساني بالشعوب الفقيرة والمستضعفة، ما جعله المدافع الأول عن العدالة ضد الظلم وعن الحرية ضد القهر بريشة لا مثيل لها.
إبراهيم أحمد