ثقافة

بـ “لقاء” و”دب” تشيخوف غداً المعهد المسرحي ينهي “أول الحكاية2”

على غير العادة في الجامعات والمعاهد الأخرى وبطريقته الخاصة فتح المعهد العالي للفنون المسرحية أبوابه للطلبة الجدد واستقبلهم بتظاهرة مسرحية أكاديمية تحت عنوان “أول الحكاية” إيذاناً ببدء العام الدراسي فيه وهي العادة التي درج عليها المعهد في افتتاحه للعام الدراسي منذ العام الماضي، وأشار عميد المعهد د.تامر العربيد في حواره مع “البعث” إلى أن هذه الطريقة في استقبال للطلبة الجدد مهمة وضرورية لأن انضمام طلاب جدد للأسرة الأكاديمية في المعهد لحظة خاصة في حياتهم وقد أراد المعهد أن يعيشها الطلبة إبداعاً وانتماء وهوية عبر مجموعة من الفعاليات التي هي بالأصل نتاج لعمل الطلاب وخريجي المعهد وهي تعكس استمرار العمل الأكاديمي على الرغم من الظروف القاسية التي تمر بها بلدنا، مبيناً العربيد أن انطلاق العام الدراسي بهذا الشكل ما هو إلا رسالة حياة ومحبة في مواجهة كل من يريد سرقة الحياة منا انطلاقاً من إيمان وزارة الثقافة بمشروعها الثقافي الراهن بضرورة مخاطبة الشباب وتحريضهم لمواجهة تحديات الأزمة على المبادرة والانشغال بالهم الإنساني بعيداً عن الأفكار وسموم التشويه.

في أمل
وقد ضمت التظاهرة التي بدأت منتصف الأسبوع الحالي  مجموعة من الفعاليات، منها افتتاح معرض فنون التصميم المسرحي لطلاب قسم التصميم والسينوغرافيا والاحتفالية المسرحية “في أمل” التي شارك فيها طلبة المعهد بأقسامه الخمسة تحت إشراف د.سامر عمران-وسيم قزق-نورس عثمان بالإضافة إلى مناقشة مشروعَي تخرّج لنيل درجة الإجازة في الفنون المسرحية لقسم الدراسات المسرحية، الأول بعنوان “الواقعية الأميركية” إعداد الطالبة خديجة كمحة إشراف د.ميسون علي والثانية بعنوان “الخير والشر في مسرحية فاوست لغوتة” إعداد حازم بو سعد إشراف مصطفى عبود كما تم على مدار عدة أيام عرض أفلام من نتاج طلبة المعهد بأقسامه المختلفة على أن تختتم التظاهرة غداً بتقديم مسرحية “الدب” لتشيخوف وهي نتاج ورشة عمل وقراءة مسرحية من إعداد وتمثيل مروة الأطرش ومجدي المقبل وبالعرض الراقص “لقاء” إشراف حور ملص-نغم معلا–محمدطرابلسي-محمد شباط-نورس عثمان-معروف ديوانية.

“دب” تشيخوف
توضح مروة الأطرش أنها ومجدي المقبل كان لديهما إصرار كبير على المشاركة كخريجين جديدين في هذه التظاهرة من خلال مشروعهما “الدب” لتشيخوف موضحة أنهما تعاونا بشكل جيد بدايةً في إعداد النص والنظر لشخصياته من منظور اليوم بمقاربة مسألة كانت مطروحة في النص بما يتناسب مع يومنا هذا، مع المحافظة على فرضية النص الأصلية من خلال مناقشة طروحات مختلفة عن تلك التي ناقشها تشيخوف والتي أصبحت اليوم بعيدة عن واقعنا عبر تقديم رؤية خاصة بها من خلال  مناقشة مفهوم الحب واختلاف نظرة كل من الشاب والفتاة له ومناقشة مسألة النفاق لدى الأنثى في هذا الموضوع وأسبابه والتأكيد على أن الكثير من الشخصيات التي نراها بشعة من الخارج هي طفل صغير من الداخل لديها مشاكلها وأوجاعها وقادرة على الحب بشكل حقيقي، مشيرة الأطرش إلى أن البداية كانت من خلال إقامة ورشة عمل على نصوص تشيخوف (الواقعية الروسية) للاطلاع عليها ومقاربتها لحياتنا الواقعية، وقد رسا الاختيار النهائي على نص “الدب” لتقديمه كعرض من خلال الاشتغال عليه بطريقة جديدة.
وعلى صعيد الإخراج تؤكد الأطرش على أن المقبل كانت لديه رؤية إخراجية معينة حاول تقديمها دون أن تنفي صعوبة قيامهما معاً بالإخراج والتمثيل في الوقت ذاته، ولتفادي أية مشكلة استعانا بعين ثالثة من خلال زملائهما وأصدقائهما وأساتذتهما واستمعا لملاحظاتهم كما استفادا من السينوغرافيا والموسيقا والتركيز على أدائهما بالدرجة الأولى لخلق جو عام يخدم فكرتهما، ولا تنفي وهي التي شاركت في مشروع التخرج “تكرار” الذي قُدم مؤخراً في المعهد أنها والمقبل استفادا كثيراً من هذه التجربة التي أشرف عليها الفنان بسام كوسا وحققت نتائج ناجحة، وقد اختبرت من خلاله هي وزملاؤها الوقوف أمام جمهور كبير وهي التي أدت فيه عدة شخصيات بفترات زمنية مختلفة، وبالتالي شجعها هذا النجاح الذي لاقاه المشروع على التفكير بمشروع “الدب” مع مجدي المقبل.
وتؤكد الأطرش أن الأعمال المسرحية ضمن التظاهرة تشكل فرصة حقيقية للطلبة والخريجين لتقديم مشاريعهم الخاصة، خاصة وأننا نعاني من قلة هذه الفرص، فمنحت التظاهرة الطلاب مساحات كبيرة للتعبير عن هذه المشاريع الأولية لتكون امتحاناً حقيقياً لإمكانياتهم وطاقاتهم وقد كان مشروعهما “الدب” تجربة أولى لهما بعد التخرج ضمن نطاق العمل الجماعي والرعاية من قبل المعهد، مبينة أن المعهد أتاح الفرص لكل من يملك مشروعاً حقيقياً أراد له أن يرى النور.

الجانب التراجيدي
وباعتبار أن التظاهرة فعالية لطلاب المعهد وخريجيه وهو سبق أن شارك فيها كطالب يؤكد مجدي المقبل على أهمية هذه التظاهرة كفرصة حقيقية يستطيع الطالب والخريج الاستفادة منها بالشكل الأمثل، كما أنها تتيح للطلاب الجدد التعرف على المعهد وآلية التدريس فيه وكذلك على زملائهم فيه.
ولأن نص “الدب” كان مشروعاً لطلاب دفعته والظروف لم تسمح بمسرحته وإنجازه حينها لأسباب كثيرة كانت الفكرة كما يشير المقبل إنجازه مبدئياً مع الأطرش، منوهاً إلى أن الخيارات بالنسبة له وللأطرش قبل “الدب” كانت متعددة إلا أن طبيعة إنجازه وحاجته للإمكانيات حالت دون اختيار أحدها، علماً أن نصوص تشيخوف كواقعية روسية لم تُدرس في المعهد فكان ذلك سبباً إضافياً لاعتمادها من قبلهما للاطلاع عليها وترميم ما لم يؤخذ بالمعهد فكانت الخطوة الأولى إقامة ورشة عمل للتعرف على عالم ونصوص  تشيخوف دون أن يكون هناك هدف محدد، وبعد أن تم الغوص في هذه النصوص وقع اختيارهما على نص “الدب” للأسباب المذكورة ولكونها تحتاج لفضاء صغير ولا تحتاج لتقنيات معقدة، مشيراً إلى أن “الدب” مسرحية قصيرة من فصل واحد كتبها تشيخوف تحت عنوان “مزحة” تحدث فيها عن الواقع السياسي والاجتماعي لروسيا وقد التقط المقبل الجانب التراجيدي مبتعداً عن الجانب الكوميدي الذي لا يمكن طرحه اليوم، أما على صعيد الإخراج فيبيّن المقبل أنه ابتعد عن المسرحة المباشرة فقدم مع الأطرش بيتاً بسيطاً أقرب إلى الواقع مع ملامسة بعض التفاصيل المسرحية، مبتعدين عن استعراض العضلات فنياً من خلال الاعتماد على الأداء ولغة الجسد، خاصة وأن النص لا يحتمل ذلك.
وعن سبب عدم تطرقه والأطرش لموضوعة الحرب وقد باتت الموضوع الأكثر إغراء اليوم يوضح المقبل أن الابتعاد عن ذلك ليس مقصوداً بحد ذاته وإنما لإيمانه أن ذلك يحتاج لنص محلي أو عربي، مع إشارته إلى وجود نصوص أجنبية تلامس واقع الحرب بشكل عام وتحتمل إسقاطات معينة إلا أنها لا تطابق الواقع السوري ولتكون كذلك بحاجة لعمل كتابي يحتاج لوقت طويل لإنجازه وهذا الوقت لم يمتلكاه، خاصة وأن الحرب على سورية وتناولها كتابياً تحتاج إلى قراءة عميقة وحقيقية، وهذا غير ممكن اليوم والحرب ما زالت قائمة، مع تأكيده على أن نص “الدب” يتناول العديد من العلاقات المشوهة التي باتت إحدى مظاهر الحرب في سورية والتي لم تكن موجودة قبلها.
وعن الاستفادة المباشرة من مشاركته بمشروع التخرج “تكرار” وانعكاس ذلك على حماسه المسرحي يؤكد المقبل أن أهم ما تعلمه من المشرف على المشروع الفنان بسام كوسا هو كيف يدافع عن مشروعه الخاص، وهذا ما جعله يدافع عن مشروع “الدب” إلى أن تبناه المعهد الذي قدم له كل الإمكانيات، موضحاً المقبل أن الفارق كبير بين أن يكون طالباً في المعهد وأن يكون متخرجاً منه حيث تصبح برأيه المسؤولية كبيرة بعد التخرج، وهذا يتطلب منه معرفة ودراية بكل الأمور.

لقاء
ويعبر معتز ملاطيه لي رئيس قسم الرقص في المعهد عن سعادته بهذه التظاهرة التي أصبح المعهد من خلالها يستقبل طلابه الجدد الذين ما زالوا يخطون خطواتهم الأولى فيه، مؤكداً أنه خير طريقة ليتعرفوا فيها على هذا المكان الذي سيحتضنهم، مبيناً أن جميع أقسام المعهد شاركت بها ومنهم قسم الرقص من خلال العرض الراقص “لقاء” الذي شاركت فيه كل السنوات والذي من خلاله سيتعرف طلاب الرقص الجدد على زملائهم الذين سبقوهم وعلى أنواع الرقص الذي سيكون ضمن منهاجهم، مؤكداً تفاؤله بالدفعة الجديدة التي تتمتع بإمكانيات تبشر بالخير وبمشاريع راقصة متميزة.
أمينة عباس