ثقافة

جان كوكتو.. مبدع لم تكفه الكلمات

مبدع خبِر كل صنوف الإبداع من أدب وشعر ومسرح وفن تشكيلي وسينمائي أخرج العديد من الأفلام الفرنسية، اشتهر بروايات الإرهاب المقدس 1929 وبأفلامه منها: “دم الشاعر, الجميلة والوحش”. وكان له حلقة واسعة من المحبين والمعجبين والأصدقاء منهم بابلو بيكاسو.
شخصية جان كوكتو عجيبة ومثيرة بكل المعايير باعتبارها عصارة فنية تختزل تجربة غير عادية تركت آثارها على الجيل الذي جاء بعده, ومهّد لسينما المؤلف على أيدي فرانسوا تروفو وجان لوك غودار, وعليه فإنه يُعتبر همزة وصل بين جيلين.
وُلد كوكتو في الخامس من تموز 1889 في ضاحية ميزو لافيت الباريسية, وتُوفي في 11 تشرين الأول 1963 في بيته الذي تحول قي صيف عام 2010 إلى متحف يستقطب آلافاً من السياح الفرنسيين والأجانب سنوياً. دخل كوكتو الأكاديمية الفرنسية الشهيرة عام 1955 لكنه أهمل دراسته الثانوية بسبب ميله لكل ما هو فني وأدبي بوجه عام، والسينما والمسرح والشعر بوجه خاص. نشر قصيدته الأولى “مصباح علاء الدين” المستوحاة من ألف ليلة وليلة في سن العشرين, وتلاها بقصيدة “الأمير” بعد عام فقط, وشكّلت مقابلته مع مصمم الباليه الروسي سيرج داغيلاف، وبيكاسو، تحولاً في مسار ميله الأدبي والفني العام بالتزامن مع احتكاكه بالسرياليين والتكعيبيين وبحركة الدادا.
انخرط كوكتو في كل أنواع الآداب والفنون وجماليات الصورة والكلمة بنظرة متأنية ورؤية خلاّقة. كان يعتبر الشعر لا غنى عنه, لكن الكلمة لم تكفه فأبدع في السينما والرواية والمسرح والفن التشكيلي. كوكتو “الكوكبة” كما وصفته المجلة الأدبية الفرنسية – في محاولة لتجاوز صعوبة توصيفه – عاش حياة مشحونة بالفن والأدب, بين غليونه وسيجارته وأدوات الرسم وورق الكتابة وخشبة المسرح وضجيج استوديوهات السينما, فمضت أيامه ضّاجة بإبداع عرضه المتحف السينمائي الفرنسي.
يُمثّل كوكتو مدرسة فنية وأدبية قائمة بحد ذاتها تداخلت فيها شتى أنواع الإبداع الفني والأدبي مثل الإخراج والكتابة السينمائية, اقتباساً وحواراً, والتمثيل السينمائي والمسرحي والرسم واللغة السينمائية والشعر والرواية والبالية والكتابة الصحفية, فهو صاحب موهبة شاملة ومتعددة الأوجه, تركته لا يكتفي بالكلمات بوصفه شاعراً وكاتباً، وهذا ما دفعه للرسم في كل الأوقات وفي كل الأماكن وعلى مختلف المواد. من أهم الأفلام السينمائية التي أخرجها (دم الشاعر1930, الجميلة والوحش 1945 العودة الأبدية 1947، الأطفال المثيرون 1947, باب جهنم 1954).
جان كوكتو عنوان كبير وهائل لا يمكن اختصاره, كما يصعب القول: “عثرنا عليه”  وأخيراً, هذا هو.. شاعر ملتبس, قصائد  ملتبسة, كل جنون وصخب السريالية التي عاصرها وانضم إليها على طريقته لم تكن كافية لاحتضان فكره أو مشاعره التي حاول قولها بالقلم والريشة والحركة والموسيقى، وأيضاً في السينما عبر اقتباسات لكتبه. ذات يوم كتب عنه أحد النقاد: “هو أورفيوس الإغريق المعاصر, لكن هذا لا يكفيه,هو أيضاً أوديب وانتيغون وهورتبيز وتريستان, لكن هو أيضاً الحيوان الشرس والعنيد والباحث والأكاديمي الأنيق وابن الشارع والعالم السفلي, هو الأديب المترفع” كل هذه الصفات ألصقت به حين كان شاباً يضج حيوية ونشاطاً في باريس في العشرينيات وحتى الستينيات.
كوكتو من الشعراء الكبار المحسوبين على طفولة تتأرجح بين وردية وسوداء داكنة، في كل تفصيل يعيشه يعود إلى ذكرى من الماضي ترتبط بها، هو واحد من الذين يحركهم لهيب الروح الداخلي فيعطيهم تلك القدرة على التحرك, وذلك الشغف الدائم إلى البعيد. كوكتو رجل مسرح بالدرجة الأولى, كتب له وعنه، مستلهماً جولاته المسرحية كما علاقته بالمسرح، ولعل من  أفضل تراثه في هذا المجال كتابه المسمى “معليش” مكتوبة على الغلاف بمعناها ومبناها العربيين لكن بحروف لاتينية, كما برع في استعادة موضوعات المسرحيات الإغريقية، وأصدر في العشرين من عمره أول كتاب له بعنوان: مصباح علاء الدين, ثم أصدر مجلة أطلق عليها اسم “شهرزاد”. وهذا إشارة إلى أن جان كوكتو كان معبأ بالشرق القديم والجديد على السواء. من مقولاته التي كان يرددها: “القبر الحقيقي للأموات هو القلب الحي”. مقولة صادقة من هذا الشاعر والفنان الذي لا يزال يعيش, لكن في القلوب.
إبراهيم أحمد