ثقافة

“موسيقا رأيناها” مشهدية سينمائية أبدعتها الفرقة السيمفونية الوطنية

موسيقا فيلم الرسالة للعقاد كانت تتويجاً لفعاليات احتفالية يوم الثقافة من خلال الأمسية التي قدمتها الفرقة السيمفونية الوطنية السورية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان على خشبة مسرح الأوبرا، بحضور وزير الثقافة محمد الأحمد وجمهور كبير، بعنوان “موسيقا رأيناها” وكانت رسالة إلى العالم بأن سورية تنتصر على الإرهاب وتستمر بثقافتها وحضارتها وتراثها وموسيقاها. وبدا واضحاً قدرة أعضاء الفرقة على عزف مقطوعات الموسيقا التصويرية لأشهر الأفلام العالمية وأجملها كتجربة جديدة من الفرقة، للتداخل والربط بين الفنون بتقديم صورة مشهدية متكاملة للسينما والصراع الدرامي والموسيقا والمجتمع، وفي الوقت ذاته تهدف من خلال الإيحاءات البصرية والخيارات المشهدية الدقيقة التي اختارها باغبودريان والتي تزامنت تماماً مع خصوصية الألحان إلى مقاربة مفهوم الموسيقا التصويرية من الجمهور. وقد اختزلت بعض المشاهد أحداث الفيلم عبر عرض صور للأوركسترا وقائدها ولبعض الآلات الموسيقية التي تضمنتها أحداث الفيلم.
تميزت الأمسية بالانتقالات الموسيقية الراوية للأحداث، وتصاعد إيقاعها لاسيما في مشاهد المطاردة والأكشن والإبهار البصري بتقنيات السينما لإظهار تفوق البطل النجم. وبدا تفاعل قائد الفرقة المايسترو باغبودريان الحيوي في المقطوعات الأخيرة ذات الإيقاع المتسارع مثل موسيقا فيلم قراصنة الكاريبي.

موسيقا المطاردة العنيفة
قدمت الفرقة عشر مقطوعات لأشهر الأفلام العالمية اتسمت كل واحدة بخصائص لحنية تتساير مع أحداث الفيلم، وبالتحديد مع المشاهد التي عُرضت على الشاشة وكان لها دور كبير في شدّ الجمهور وإثارتهم من خلال المقطوعات، كما في فيلم ” 007″ للموسيقي مونتي نورمان إذ بدأت المقطوعة بهدوء موسيقي بتشاركية آلات النفخ الخشبية مع الوتريات، ليشتد مسار الإيقاع الموسيقي مع مشاهد المطاردة العنيفة وما تحمله من حركة وأكشن، وتنتهي بقفلة حادة من خلال المؤثرات الإيقاعية وتتالي ضربات التيمباني.

إنذار النحاسيات بالخطر
لكن الأجمل والأقرب إلى الجمهور كان موسيقا جيمس هورنر فيلم تايتنك الذي اشتهر بموسيقاه العاطفية الحالمة حيناً والصاخبة المنذرة بالموت في مواضع أخرى، وتمّ اختيار مشاهد مطوّلة من الفيلم ومنوعة لخصت القصة بأكملها ابتداءً من صعود المسافرين إلى الباخرة والتلويح لأصدقائهم وأهلهم.. إلى مشاهد البحر وألحان الموسيقا الرقيقة للوتريات والفلوت مع تداخل صوت النحاسيات المتوسط، ليتغير المشهد الموسيقي مع التصاعد الدرامي الذي تمثل بصوت الآلات النحاسية الصاخب إنذاراً باقتراب خطر ما، إضافة إلى المؤثرات الإيقاعية والامتداد اللحني لآلات النفخ الخشبية، مع حركة المسافرين على متن الباخرة وبداية الخوف، وتناولت المقطوعة أجمل المشاهد المؤثرة كوداع الحبيبين أثناء هبوط الحبيبة إلى القارب واللحن الرقيق الذي رافق مشهد الحبيبة في النهاية وهي مسنة تحمل القلادة بيدها.

إيقاع حيوي
وتأتي موسيقا فيلم حرب النجوم للمؤلف الموسيقي جون وليامز ببداية مختلفة يعلو فيها صوت الآلات النحاسية ويتداخل مع اللحن المرافق للوتريات، واختلفت أجواء الأمسية مع موسيقا فيلم “زمن الغجر” الذي تناول حياة الأقليات ومعاناة الغجر من الفقر المدقع واضطرارهم للتنقل بموسيقا غوران بريغوفيتش المستوحاة من موسيقا البلقان الممتزجة بالكلاسيكية الأوروبية والتي حملت في جانب منها روح موسيقا الشعوب للبوسنة وصربيا ورومانيا، وتغيّر كلياً الإيقاع الموسيقي مع فيلم النمر الوردي للموسيقي هنري مانتشيني والتي كان البيانو حاضراً فيها بموسيقا الفيلم، ومع موسيقا فيلم قراصنة الكاريبي للمؤلف كلاوس بادلت الذي تعاون مع هانز زيمر الذي أدخل الموسيقا الإلكترونية إلى آلات الأوركسترا. ومما زاد من جمالية الأمسية الغناء الأوبرالي بصوت سوزان حداد بأغنية” إدرليزي”.

ضربات فاصلة
رسالة باغبودريان الموسيقية اتضحت من خلال موسيقا فيلم “الرسالة” لموريس جار للمخرج مصطفى العقاد ضحية الإرهاب، وقد شغل حيزاً من مدة الأمسية، من خلال حضور إيقاع الموسيقا العربية على آلة الجمبة والدف طيلة موسيقا المقطوعة كلحن أساسي مع ألحان الفرقة، لتشكل ضربات التيمباني الحادة فاصلاً موسيقياً لبداية لحنية كان فيها دور لآلات النفخ الخشبية والوتريات، ولتأتي القفلة الصادمة مع سقوط الصنم وانتصار الدعوة الإسلامية، ولتتزامن مع انتصار سورية.

الفن النخبوي
وبعد الأمسية أعلن وزير الثقافة اختتام فعاليات يوم الثقافة من خلال حديثه إلى الإعلاميين، وأوضح أهمية الأوبرا كمكان مفتوح لاستقبال ثقافات الشعوب.
وسألته عن أهمية الفنّ النخبوي الذي تقدمه الفرقة السيمفونية الوطنية للجمهور ومحاولة نشره، فأجاب: برأيي إن أكثر أنواع الفنّ النخبوي يجب أن تصل إلى عامة الناس وليس فقط إلى الجمهور النخبوي، وذلك بتكثيف العروض الموسيقية لمختلف الشعوب. فالموسيقا جزء من حضارتنا، وسورية تتجذر بالعراقة  لذلك هي مستهدفة، فنحن نمتلك الموسيقا وهم لايمتلكونها، نمتلك الحضارة، بدليل أنهم يحاولون تدمير المتاحف ونهب الآثار فاحتلوا تدمر لأنهم يريدون محو ذاكرة الأمم العريقة، فالبلاد التي تملك حضارة مثل سورية تتمثل بمخطوطات وأفلام ولوحات وكتب هي أمة عصيّة على أن تكون أمة مهزومة.
ملده شويكاني