تحقيقاتصحيفة البعث

الزاويـــــة القانونيــــة.. الحوادث الاســتثنائية العامـة وأثـــرهــــا علــــى التعــاقــد

> المحامي عمر تقي الدين

نصت المادة 148 من قانون المدني السوري على أنه:

(1- العقد شريعة المتعاقدين، فلا يجوز نقضه، ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين، أو للأسباب التي يقررها القانون.

2- ومع ذلك إذا طرأت حوادث استثنائية عامة، لم يكن في الوسع توقعها، وترتب على حدوثها أن تنفيذ الالتزام التعاقدي، وإن لم يصبح مستحيلاً صارمرهقاً للمدين بحيث يهدده بخسارة فادحة، جاز للقاضي تبعاً للظروف، وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، ويقع باطلاً كل اتفاق على خلاف ذلك).

ومقتضى هذه النظرية هو وقوع حوادث عامة بعد انعقاد العقد، وأثناء تنفيذه لم يكن  في الوسع توقعها وقت إبرامه، ومن شأنها أن تجعل تنفيذ التزام المدين مرهقاً، ما يهدده بخسارة فادحة، وطالما أن هذه الحوادث لم تؤدِ إلى استحالة تنفيذ الالتزام، فيلتزم المدين بالوفاء بها استناداً لمبدأ العقد شريعة المتعاقدين، واحتراماً لقوته الملزمة، ولكن تقضي العدالة في مثل هذه الحالة مراعاة هذه الحوادث التي طرأت بعد تنفيذ العقد والاتفاق، إما بشكل ودي، أو عن طريق الأحكام القضائية بتعديل التزامات المدين بما يتناسب مع الظروف الجديدة، إذ إنه يعد من الظلم احترام العقد في مثل هذه الظروف، وهذا ما نوه إليه القانون ونص عليه، ومن مطالعة المادة المذكورة يتضح أن شروط تطبيق هذه النظرية هو اختلاف وقت انعقاد العقد عن وقت تنفيذه، أي إن المجال الرحب لتطبيق نظرية الظروف الطارئة هو عقود المدة، أي العقود متراخية التنفيذ، وأن يطرأ ظرف استثنائي عام لم يكن في الوسع توقعه، والظرف الاستثنائي هو ظرف نادر الوقوع، أو الظرف الشاذ الذي لا يدخله الرجل المعتاد في حسبانه عندما يدير شؤونه، ومثال ذلك قيام حرب، أو حصول زلزال، أو تمرد، أو طوفان، أو بركان، ولا يشترط في الظرف الاستثنائي أن يكون بفعل الطبيعة، وإنما يمكن أن يكون بفعل القانون أو المشرّع، فيعد صدور قانون جديد ظرفاً استثنائياً، وقد قررت محكمة النقض السورية أن وقوع عواصف وزوابع ورعود وسقوط برد وأمطار في غوطة دمشق بعد منتصف شهر أيار يعد من الحوادث الاستثنائية غير المتوقعة، كما نص الاجتهاد القضائي على أنه التغيير المفاجئ في سعر المواد المؤدي إلى ارتفاع الأسعار ارتفاعاً غير مألوف، وغير متوقع يجعل تنفيذ الالتزام مرهقاً من شأنه أن يؤدي إلى تطبيق نظرية الظروف الطارئة، بل إن محكمة النقض السورية، وما استقر عليه الاجتهاد، قد ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث نص على أن ارتفاع الأسعار بشكل غير مألوف من جراء بعد الظروف الاقتصادية التي قام عليها العقد وقت تكوينه يعتبر مفاجئاً لم يكن في الحسبان بصورة يهدد بخسارة فادحة، إنما يعتبر من قبيل الحوادث غير المتوقعة، كما نص الاجتهاد المدني على أن المادة 148 مدني تهدف إلى إزالة الإرهاق الذي يحل بالمدين من جراء تنفيذه إلزامه، فإذا لم تلحق بالمتعاقد أية خسارة، أو لحقت به خسارة لا تزيد عن الحد المألوف، فلا مجال لتطبيق هذه النظرية، علماً أن فوات الربح لا يعد من قبيل الخسارة على أنه مجرد كون الحادث من الحوادث الاستثنائية العامة غير المتوقعة يخوّل القاضي التدخل لتعديل شروط العقد، إذا أصبح تنفيذه مرهقاً، وعليه فإنه يحق للفريق المتضرر من العقد طلب رد الالتزام للحد المعقول، وإعفاؤه من كامل الفوائد والغرامات، بالإضافة لتحميل الفريق الآخر لجزء من الخسارة الناجمة التي يجب أن يتحملها الطرفان.