دراساتصحيفة البعث

الانتخابات العامة في ايطاليا بين الأحزاب الكلاسيكية والشعبوية

ستكون الانتخابات العامة في ايطاليا أحد أهم الأحداث السياسية بالنسبة للاتحاد الأوروبي هذا العام، إذ سيتوجه الناخبون الايطاليون إلى صناديق الاقتراع في 4 آذار، وهم غير راضين عن قادتهم الحاليين وعن حالة الاقتصاد، والأهم من ذلك هو صعود أحزاب وحركات من خارج السياق الكلاسيكي للحياة السياسية في ايطاليا تنتقد جميعها الأداء السياسي والاقتصادي والاجتماعي للحكومات السابقة، ما يعني بالتالي دخول ايطاليا في حالة من التنافس بين أحزاب ماضوية، وأحزاب حديثة أو شعبوية مثل حركة “الخمس نجوم”، وهو حزب معارض معظمه من غير السياسيين الذين ينتقدون الزعامات التقليدية في ايطاليا.
“رابطة الشمال اليمينية” هي الأخرى تدعو لكسر الطوق التقليدي للساسة الايطاليين، فقد دعت إلى تعزيز ضوابط الهجرة، واقترحت إجراء استفتاء حول عضوية ايطاليا في منطقة اليورو، كما دعا حزب يمين الوسط “فورزا ايطاليا” إلى الأمام ايطاليا، بزعامة رئيس الوزراء السابق سيلفيو بيرلسكوني إلى إيجاد عملة موازية للتعايش مع اليورو، وتجاهل قواعد الاتحاد الأوروبي التي تحد من تدخل الدولة لإنقاذ البنوك المتعثرة، وحتى حزب يسار الوسط الديمقراطي، الذي لا يزال مؤيداً للاتحاد الأوروبي، انتقد بروكسل لتركيزها على إجراءات التقشف.

ومن المناسب أن نذكر أن ايطاليا قبل الحرب العالمية الثانية كانت مجتمعاً زراعياً فقيراً، وقد حدث التحول الكبير في المجتمع الايطالي بعد الحرب، إذ أصبحت ايطاليا قوة صناعية كبرى، كما وصل الاقتصاد الايطالي إلى أوج ازدهاره في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وفي هذه الفترة من الازدهار كان الشعب الايطالي بكل أطيافه السياسية متعاطفاً مع جميع حركات التحرر، وجميع الشعوب المضطهدة في العالم.
أما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي السابق، والمنظومة الاشتراكية، ودخول ايطاليا في منظومة دول أوروبا الموحّدة، وبعد أحداث 11 أيلول وبدء مرحلة العولمة، فقد تعرضت ايطاليا إلى موجات هجرة واسعة من دول شمال أفريقيا وألبانيا ويوغوسلافيا ودول البلقان ودول الاتحاد السوفيتي السابقة، وتزامن ذلك مع ركود اقتصادي وغلاء في المعيشة مع دخول اليورو كعملة أوروبية موحَّدة، ودخول بضائع الدول رخيصة العمالة إلى السوق الايطالية، ما أثر سلباً على الكثير من المصانع الإنتاجية، فأقفل الكثير منها، وانتقل البعض الآخر إلى دول أوروبا الشرقية، حيث العمالة الرخيصة.
أضف إلى ذلك عدم تأقلم الكثير من المهاجرين الجدد مع نمط المجتمع الايطالي، ما أوجد الكثير من الغيتوات، فأصبحت العديد من أحياء المدن الايطالية تحت سيطرة مافيات المخدرات والاتجار بالنساء، وقد أدى كل ذلك إلى ردة فعل كبيرة من قبل المجتمع الايطالي تجاه هذه الظاهرة، وقد استفادت الأحزاب اليمينية المتطرفة من هذا كله، وبدأت تعمل على تأليب المواطنين على المهاجرين، كما حاولت إصدار قوانين متشددة لمنع الهجرة، أو الإقامة غير الشرعية في ايطاليا.
أمام هذه الحالة كان لابد من أن تتوجه الأحزاب، وخاصة اليسارية نحو الداخل، وإيلاء العمل الاجتماعي في الداخل الأولوية على السياسة الخارجية، لكن رغم ذلك نجد أن ايطاليا مع اختلاف الحاكم يمينياً كان أو يسارياً هي دائمة الالتزام على الأقل بالخطوط العريضة للسياسة الغربية والولايات المتحدة الأميركية.

طموحات حركة “خمس نجوم الشعبوية”
إلى جانب الأحزاب التقليدية الكبرى في البلاد- الحزب الديمقراطي المسيحي، الحزب الشيوعي الايطالي، الحزب الاشتراكي الديمقراطي، حزب ” فورزا ايطاليا”- ظهرت حركة “خمس نجوم” الشعبوية التي تمثل اليمين المتطرف في ايطاليا والتي أطلقها الممثل الكوميدي” بيبي غريلو” بالتعاون مع الخبير الاستراتيجي والمدون جيانروبرتو كازالدجيو عام 2009 عندما استخدم هذا الأخير مدونة وموقع التواصل الاجتماعي لإطلاق حملة خاصة بالقضايا المحلية استقطبت أعداداً كبيرة من الايطاليين من مختلف الأعمار والشرائح، ومنذ ذلك الحين ارتفعت شعبية الحركة لتصبح واحدة من أكثر الأحزاب التي تحصل على أصوات الناخبين في ايطاليا.
نشأت هذه الحركة كردة فعل على الفساد السياسي المستشري في ايطاليا، وكان هدفها خفض وضمان الحسابات المالية لجميع رواتب البرلمانيين الأعلى في أوروبا بنسبة 80% ، وتعتمد سياساتها على مزيج انتقائي من مناهضة المؤسسات وناشطي البيئة ومناهضة العولمة، وهي ضد الاتحاد الأوروبي، ومعظم أنصارها من خلفيات سياسية مختلفة.
حصلت حركة “خمس نجوم” على المركز الثاني في الانتخابات العامة التي جرت عام 2013، ومن ثم مرت بفترات من الصعود والهبوط إلى أن ثبتت نسبتها بنحو30% قبل يمين الوسط وخلف الحزب الديمقراطي الذي يمثل يسار الوسط، ومن أهم أهداف الحركة:” المياه ملك عام”، و”رفض المشروعات المكلفة والملوثة”، و” استغلال النفايات”، و”شبكة الانترنت مجاناً، ومنع ترشح المدانين في البرلمان، ومنع ترشيح البرلمانيين لأكثر من عشر سنوات، يضاف إلى ذلك أن برنامج الحركة يتضمن عناصر من السياسات الليبرالية الأمريكية والسياسات اليمينية الشعبوية، وهي تيار مستقل اختار مؤسسوه اسم” خمس نجوم” في إشارة إلى خمس قضايا رئيسية يؤمنون بها: المياه والنقل المستدام والتطوير ووسائل الاتصال وحماية البيئة، وقد اختار الشعبويون رئيسهم الجديد تمهيداً للانتخابات البرلمانية، ويطمحون للفوز والوصول إلى الحكم، ويعتبر لويجي دي مايو”31″عاماً الأوفر حظاً في مواجهة سبعة مرشحين مجهولين للرأي العام، على الرغم من صغر سنه، فهو أصغر نائب رئيس لمجلس النواب في تاريخ ايطاليا، كما يعتبر خليفة بيبي غريلو مؤسس حركة خمس نجوم، وتظهر استطلاعات الرأي فارقاً ضئيلاً بين حركة خمس نجوم والحزب الديمقراطي الحاكم “اليسار” الذي لا يزال يتقدم مع 28% من الأصوات، ويخوض الشعبويون حملتهم الانتخابية بتقديم مرشح يشيع الاطمئنان للناخبين من ذوي الأحوال المتوسطة وللأوساط الاقتصادية على حد سواء، إلا أن حركة ” خمس نجوم” تعرضت للانتقاد، لأن المنافسين الفعليين لـ “دي مايو” أحجموا عن خوضها فضلاً عن الهوة الكبيرة بين هذا المرشح البارز إعلامياً وخصومه الذين اكتفوا بشرح برنامجهم عبر سطور قليلة على مدونة بيبي غريلو.
بين فرنسا وألمانيا
على الرغم من الخطاب المشكك بأوروبا الذي اعتمدته العديد من الأحزاب الإيطالية، فإن خروج ايطاليا من منطقة اليورو “ايتاليكسيت” غير محتمل. السبب الأول، هو أن إجراء استفتاء على عضوية منطقة اليورو يتطلب تغييرات في الدستور الايطالي، ومن المحتمل أن يجهد البرلمان المقبل للقيام به، لأنه استناداً إلى استطلاعات الرأي الحالية تشير معظمها إلى عدم فوز أي حزب بما يكفي من الأصوات للحكم وحده، ومن الممكن أن تستمر المفاوضات لتشكيل ائتلاف حاكم لأشهر بعد الانتخابات، ويمكن أن تؤدي إلى انتخابات جديدة في حال فشل البرلمان في تشكيل الحكومة، والسبب الآخر، لم يقدم أي حزب من الأحزاب التي تعزف على وتر فكرة مغادرة منطقة اليورو خطة ملموسة للقيام بذلك، وعلاوة على ذلك، يعارض معظم الايطاليين مغادرة منطقة العملة، لهذا لا يشكّل الانسحاب من منطقة اليورو أولوية بالنسبة للأحزاب المتنافسة في الانتخابات العامة في ايطاليا، وفي الواقع فإن حركة “النجوم الخمس”، و”رابطة الشمال”، و”فورزا ايطاليا” قد تجاهلت هذه المسألة في الأسابيع الأخيرة، وبدلاً من ذلك ركزت على انتقادها لليورو بهدف تأجيج المشاعر القومية، وجذب الجزء الأكبر من الناخبين غير الراضين عن الوضع السياسي والاقتصادي الراهن في ايطاليا، كما يقصد به أن يكون بمثابة صفقة مساومة يمكن للأحزاب أن تستخدمها في محاولة لتحقيق هدفها الحقيقي، وهي مراجعة القواعد المالية للاتحاد الأوروبي.
أياً كانت الحكومة التي ستصل إلى السلطة نتيجة الانتخابات المقبلة التي ستجريها ايطاليا في نهاية المطاف، فإنها ستواجه دون شك التحدي المتمثّل في محاولة مراجعة القواعد المالية للاتحاد الأوروبي، وسيكون أمام الحكومات والمؤسسات الأساسية في الكتلة القارية عدة خيارات، فقد يمكن لها إعادة التفاوض، أو حتى إلغاء الاتفاق المالي تماشياً مع رغبات ايطاليا، غير أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي في شمال أوروبا ستقاوم، على الأرجح، هذه المحاولة، لأنها تريد الحفاظ على رقابة السياسات المالية في نظيرتها الجنوبية، وقد يختار الاتحاد الأوروبي بدلاً من ذلك تجاهل دعوات ايطاليا لإصلاح المعاهدة، ولكن القيام بذلك يمكن أن يثير استياء الحكومة الايطالية، ويشجعها على اتخاذ تدابير أحادية الجانب، ربما على حساب منطقة اليورو بأكملها، أما الخيار الأهم والمرجح فهو الحل الوسط، إذ يمكن للاتحاد الأوروبي أن يوافق على خروج ايطاليا من الاتفاق المالي إذا وعدت بعدم التسبب بالكثير من المتاعب.
ولكن في الوقت الذي تدفع فيه ايطاليا إلى زيادة تقاسم المخاطر، ورفع الإنفاق العام، وقواعد مالية أكثر مرونة، تميل إلى فرنسا كحليف طبيعي، وتميل باريس وروما، في آخر الأمر، إلى إبداء وجهات نظر مماثلة بشأن منطقة اليورو، لكن فرنسا ستكون لها أولوياتها الخاصة للنظر فيها، وكثيراً ما يتعين عليها أن تجد توازناً بين مجال نفوذها الطبيعي في البحر الأبيض المتوسط، ​​وشراكتها المصيرية مع ألمانيا، وتعطي علاقات فرنسا مع جنوب أوروبا نفوذاً في المفاوضات مع ألمانيا وأقرانها في شمال أوروبا، ومع ذلك، لا يمكن لباريس أن تمضي أبعد من الدعوة إلى التدابير التي تتعارض مع مصالح برلين دون المساس بتحالفها مع ألمانيا، وعلى الرغم من أن المفاوضات حول إصلاح منطقة اليورو لم تبدأ بعد، إلا أن السياسيين الألمان وضعوا بالفعل حداً لذلك، حيث وقعت الأحزاب السياسية الرئيسية في ألمانيا مؤخراً على مشروع اتفاقية تحالف أكدت فيها تحفظاتها على زيادة تقاسم المخاطر في منطقة اليورو، وستكون فرنسا على استعداد للاستماع إلى ايطاليا، وحتى الوقوف إلى جانبها في بعض الحالات، غير أنها تمتنع، على الأرجح، عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يعرّض شراكتها مع ألمانيا للخطر، وفي الوقت ذاته، ولإدراكها مواطن ضعفها، عرضت ايطاليا توقيع معاهدة استراتيجية مع فرنسا مستوحاة من تحالف باريس- برلين، في محاولة لتجنب تهميشها في المناقشات حول مستقبل منطقة اليورو، وستكون الاتفاقية جاهزة بحلول نهاية العام، وستخلق إطاراً للتعاون أكثر رسوخاً بين ايطاليا وفرنسا، لذلك فإن النقاش حول ما يجب القيام به في منطقة اليورو سيرتبط بنقاش آخر حول دور ايطاليا فيه، ويمكن لأعضاء الاتحاد الأوروبي أن يقرروا إدراج ايطاليا في المرحلة المقبلة من التكامل في منطقة اليورو، على أمل أن يساعد مزيج من الضغوط والضوابط والمرونة في إدخال إصلاحات اقتصادية ومؤسساتية، ولكن يمكن أن تزرع هذه الاستراتيجية بذور أزمات مالية في المستقبل، ويمكن أن نرى ذلك من خلال إلقاء نظرة على ما حدث مع اليونان، حيث اعترفت منطقة اليورو بها على الرغم من المخاطر العديدة التي جلبتها إلى منطقة العملة، واليوم لاتزال تتعامل مع تداعيات ذلك القرار، وبدلاً من ذلك، يمكن لحلفاء ايطاليا في الاتحاد الأوروبي استثناء روما من بعض الإصلاحات المستقبلية في منطقة اليورو، لكن هذا قد يشعل كارثة سياسية على المدى الطويل من خلال كسر الوحدة المقدسة المزعومة لمنطقة العملة.

النتائج المحتملة
وفقاً لآخر التوقعات لتوزيع المقاعد، لن يحصل أي حزب أو ائتلاف على أغلبية، أي ما لا يقل عن 316 مقعداً، ومن بين الائتلافات المحتملة، استناداً إلى الاقتراع الحالي، سيكون التحالف الكبير بين يسار الوسط ويمين الوسط، إذ من المحتمل أن يتم تشكيل حكومة تكنوقراط من هذا الائتلاف يديرها الرئيس الايطالي سيرجيو ماتاريلا من أجل الحفاظ على الاستقرار، ولكن في الواقع فإن أي تحالف كبير من المرجح أن يكون أقل بكثير من أن يستحوذ على أغلبية، مع انشقاق أجزاء من يمين الوسط، وخاصة رابطة الشمال، وإخوة ايطاليا، وكذلك يسار الوسط، وخاصة الفصائل اليسارية من الحزب الديمقراطي، وقد دفع هذا الأمر العديد من الخبراء السياسيين إلى التساؤل عما إذا كانت الأرقام ستضاف إلى ائتلاف كبير قادر على العمل بعد التصويت أم لا؟!.
وسيكون السيناريو الأقل استقراراً بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو الفوز القوي لحركة النجوم الخمس، خاصة مع سعي الحركة إلى تشكيل شركاء مناهضين لمنطقة اليورو، بالإضافة إلى مراجعة عضوية ايطاليا في الناتو، وتبني موقف متشدد بشأن الهجرة. ولكن هناك مجموعة واسعة من وجهات النظر حول كل من هذه المواضيع حتى داخل الأطراف المناهضة للسلطة، لذلك فمن غير الواضح إذا ما كانت الحركة قادرة على إيجاد أرضية مشتركة أم لا.
والنتيجة الأكثر ترجيحاً هي تكوين ائتلاف كبير ضعيف وهش وغير مستقر على الإطلاق، أو حتى حكومة أقلية، حيث يقوم المشرعون بالتنقل بين الجوانب والولاءات المختلفة على أساس الأصوات الفردية في البرلمان، وإذا ما أخفقت الجهود المتكررة لتشكيل حكومة بعد التصويت، قد يضطر ماتاريلا إلى إجراء انتخابات جديدة، ما يطيل حالة عدم الاستقرار السياسي في ايطاليا، وهو السيناريو القريب من ذلك الذي شهدته اسبانيا في السنوات الأخيرة.

الأحزاب المتنافسة

– الحزب الديمقراطي:
يُعد الحزب الديمقراطي (PD)، اليساري الوسطي، العمود الفقري للائتلاف الحاكم بقيادة رئيس الوزراء باولو جينتيلوني، وقد أُعيد انتخاب رئيس الوزراء السابق، ماتيو رينزي، رئيساً للحزب بناءً على برنامج إصلاحي في نيسان 2014، وعندما تبوأ منصب رئيس الوزراء عام 2014، استطاع رينزي إحياء الحزب الديمقراطي، مستعيناً بكاريزميته ونشاطه، إلا أن استطلاعات الرأي الحالية تظهر أن شعبية الحزب تأتي بعد ائتلاف يمين الوسط، وحركة النجوم الخمس.
ويدعم الحزب الديمقراطي بشكل أساسي السياسات الأوروبية، والدمج الاجتماعي للمهاجرين، واستمر الحزب في السلطة منذ عام 2013، وهي الفترة التي شهدت تعافياً اقتصادياً إلى حد كبير، واستيعاب مزيد من العمالة، وعلى الرغم من ذلك، لم يشعر كثير من الإيطاليين بهذه الإنجازات، كما يمتلك الحزب قوةً في المناطق الوسطى من البلاد، وفي أوساط كبار السن، والطبقات المثقفة.

– حركة النجوم الخمس:
شاركت حركة النجوم الخمس (M5S) في الانتخابات العامة للمرة الأولى عام 2013 فارضةً نفسها كقوة رئيسية في الحياة السياسية الإيطالية، لتصبح منبراً داعياً لتطبيق الديمقراطية المباشرة، والاقتصاد الأخضر، ومكافحة الفساد، وكان مرشحها لرئاسة الوزراء هو لويجي دي مايو.
ومنذ ذلك الحين، سُلّطت الأضواء على هذه الحركة بسبب الانقسامات الداخلية، والافتقار إلى الخبرة، وسوء الإدارة في روما، حيث تتقلد الحركة رئاسة البلدية.

– حزب فورزا ايطاليا:
سيطر حزب برلسكوني اليميني الوسطي، فورزا ايطاليا (FI)، على الحياة السياسية في البلاد منذ دخوله المشهد السياسي عام 1994، عندما شغل رجل الأعمال الشهير في مجال الإعلام، أرفع منصب سياسي في البلاد للمرة الأولى، وحتى عندما كان الحزب في المعارضة خلال الفترة من 1996 إلى 2001، ومرة أخرى من 2006 إلى 2008، كان بمثابة القوة السياسية المحافظة الرئيسية في إيطاليا.
وبلغ الحزب أوج قوته عام 2008، عندما أعيد انتخاب برلسكوني رئيساً للوزراء للمرة الثالثة، إلا أن هذا الدعم الذي يحظى به الحزب قد انخفض إلى 15% بعد إجبار برلسكوني على تقديم استقالته من رئاسة الوزراء في تشرين الثاني من عام 2011، على خلفية مخالفات قانونية شخصية، وفضائح جنسية، بالإضافة إلى سوء إدارة أزمة الديون الإيطالية.
وعلى الرغم من الحظر المفروض على برلسكوني البالغ من العمر 81 عاماً بتبوء أي منصب عام، بسبب الإدانة في قضايا تهرب ضريبي، إلا أنه يقود الحملة الانتخابية لحزبه، وربما يكون صانع القرار السياسي الرئيسي بعد الانتخابات.
وحقق الحزب اليميني الوسطي طفرة في الانتخابات البلدية والمحلية عام 2017، وذلك عندما استطاع السيطرة على الحكم في مدينة جنوة، والحصول على منصب حاكم صقلية.

– حزب رابطة الشمال:
يُعد حزب رابطة الشمال (LN) من الأحزاب المناهضة للاتحاد الأوروبي، وهو مناهض أيضاً للهجرة، ويتمركز في شمال البلاد، وعلى الرغم من أن الحزب قد قام على فكرة الفيدرالية المالية، وعدم التابعية لروما، بل حتى الانفصال عنها، إلا أنه قد تحول الآن إلى أجندة يمينية شعبوية متطرفة أكثر تقليدية، على غرار حزب الجبهة الوطنية الفرنسي.
وقد ازداد الدعم الذي يحظى به الحزب، وفقاً لاستطلاعات الرأي، خلال السنوات الثلاث الماضية، على خلفية ارتفاع حدة النبرة المناهضة للهجرة في أعقاب أزمة الهجرة الايطالية، وقد كان الحزب من بين الأحزاب الهامشية داخل ائتلاف يمين الوسط في الانتخابات العامة السابقة، إلا أنه أصبح قادراً في الوقت الراهن على تعزيز قاعدة دعم لا تقل عن حزب فورزا ايطاليا.

– حزب الحرية والتكافؤ:
بعد أن خسر رينزي والحزب الديمقراطي الاستفتاء على الدستور في عام 2016، انشقت مجموعة من اليساريين، بما في ذلك قدامى السياسيين بالحزب، مثل ماسيمو داليما، وبير لويجي برساني، وشكّلت هذه المجموعة قوة سياسية جديدة، وقد تطور هذا الأمر ليصبح بعد ذلك حزب الحرية والتكافؤ بقيادة المدعي العام السابق لمكافحة المافيا، ورئيس مجلس الشيوخ، بيترو غراسو.
وأصبح هدف الحزب هو الحصول على أصوات الايطاليين اليساريين الذين خاب أملهم بالحزب الديمقراطي بسبب وسطيته المبالغ بها من وجهة نظرهم، بالإضافة إلى عدم رضاهم عن أسلوب قيادة رينزي، ولكن من خلال العمل بشكل منفصل عن الحزب الديمقراطي، وضع الحزب نفسه في مواجهة الانتقادات التي من شأنها أن تمهد الطريق لانتصار يمين الوسط أو النجوم الخمس.

– حزب إخوة ايطاليا:
حزب إخوة ايطاليا الذي يرمز له اختصاراً بـ “FdI”، هو حزب المحافظين الوطنيين بقيادة جيورجيا ميلوني، وهي سياسية من روما، ورئيسة الحزب، وقد شغلت منصب وزيرة في حكومة برلسكوني السابقة، ويعكس اسم الحزب عنوان النشيد الوطني الايطالي، كما يكتظ برنامجه بسياسات معادية للهجرة والعولمة، وينحدر حزب إخوة ايطاليا من الحركة الاجتماعية الايطالية التي ورثت دور الحزب الفاشي الايطالي المخلوع في ايطاليا ما بعد الحرب العالمية الثانية.

النظام الانتخابي

النظام الانتخابي في ايطاليا هو نظام غير دستوري، أجريت عليه عدة تعديلات كبيرة وصولاً إلى نظام “روزاتيلوم” الذي وضع عام 2017، كما أن النظام الانتخابي الايطالي، هو نظام غير ثابت في دستور البلاد، فقد أجرى البرلمان ثلاثة تعديلات كبيرة على قواعد الانتخابات خلال ربع القرن المنصرم. كانت آخر هذه التعديلات في عام 2017 عندما وافق أعضاء البرلمان على نظام “روزاتيلوم” المعمول به حالياً، والذي سمي تيمناً بـ إتوري روزاتو، عضو البرلمان عن الحزب الديمقراطي اليساري الوسطي الحاكم، والذي وضع هذا القانون.
ويقتضي هذا القانون منح 61% من المقاعد، أي 386 مقعداً في مجلس النواب، و193 مقعداً في مجلس الشيوخ بنظام التمثيل النسبي. بينما يتم انتخاب 37% من المقاعد، أي 232 مقعداً في مجلس النواب، و116 مقعداً في مجلس الشيوخ وفق النظام الفردي لكل دائرة انتخابية، والذي يفوز فيه من يحصل على أعلى الأصوات، أما الايطاليون الذين يعيشون خارج البلاد، فسوف ينتخبون 2% من المقاعد، أي 12 مقعداً في مجلس النواب، وستة مقاعد في مجلس الشيوخ.
ولابد أن تفوز الأحزاب بنسبة 3% من الأصوات الانتخابية حتى يتسنى لها الحصول على حصة في مقاعد التمثيل النسبي، وهو تدبير احترازي صمم للحد من تفتيت الأصوات، وفي حال تحالف بعض الأحزاب مع أحزاب أكبر داخل ائتلاف انتخابي، تذهب أصوات الأحزاب التي حصلت على نسبة تصويت تتراوح ما بين 1% و3% إلى الحزب الأقوى داخل الائتلاف.
ويُعتبر نظام روزاتيلوم الانتخابي نتاجاً لتسوية برلمانية سريعة، فقد بدا أن وضع نظام الفوز للأكثر أصواتاً للدوائر الفردية قد صمم خصيصاً لإلحاق الضرر بحركة “النجوم الخمس” المناهضة للسلطة، إذ تناهض تلك الحركة تكوين الائتلافات، كما أنها تفتقر إلى الانتشار العميق على المستوى المحلي، وكذلك تفتقر للمرشّحين من ذوي الخبرة الواسعة.
وفي ظل تقاسم أصوات الناخبين بالتساوي تقريباً فيما بين المجموعات الثلاث: يمين الوسط، ويسار الوسط، وحركة النجوم الخمس، قد ينتج عن ذلك برلمان مُعلّق، إلا أن الخبراء السياسيين يقولون إنه إذا حصلت إحدى المجموعات على أكثر من 40% من أصوات الناخبين في نظام التمثيل النسبي، فإنه من الممكن أن تحصل هذه المجموعة على أكثر من 65% من المقاعد الفردية بنظام الفوز بأكثرية الأصوات، ما قد يمكّن هذه المجموعة من تحقيق أغلبية في البرلمان، وتلك هي الجائزة الكبرى.

تاريخ الجمهورية

ألتشيدي دي غاسبيري أول رئيس وزراء ايطالي بعد الحرب العالمية الثانية
في عام 1946، أجبر أومبرتو الثاني بن فيكتور عمانوئيل الثالث على التنازل عن العرش، وأصبحت ايطاليا جمهورية بعد الاستفتاء الذي أجري في 2 حزيران 1946، وهو يوم يحتفل به منذ ذلك الحين كيوم الجمهورية. كانت هذه المناسبة أيضاً هي المرة الأولى في إيطاليا التي منحت فيها المرأة حق التصويت، وتمت الموافقة على الدستور الجمهوري، ودخل حيز التنفيذ في 1 كانون الثاني 1948 بموجب معاهدات باريس للسلام لعام 1947، عادت المنطقة الحدودية الشرقية ليوغوسلافيا، وفي وقت لاحق تم تقسيم الأراضي الخالية من ترييستي بين الدولتين.
برزت مخاوف الناخبين الطليان من استيلاء الشيوعيين على السلطة في نتائج الانتخابات الأولى بعد الحرب في 18 نيسان سنة 1948، حيث نجح الحزب الديمقراطي المسيحي بقيادة ألتشيدي دي غاسبيري في الانتخابات بنسبة 48% من الأصوات، وأصبحت ايطاليا في خمسينيات القرن العشرين عضواً في حلف شمال الأطلسي، وتحالفت مع الولايات المتحدة. ساعدت خطة مارشال في إنعاش الاقتصاد الايطالي الذي تمتع حتى الستينيات بنمو اقتصادي مطرد، فيما عرف باسم “المعجزة الاقتصادية”، وفي عام 1957 كانت ايطاليا عضواً مؤسساً للمجموعة الاقتصادية الأوروبية والتي أصبحت الاتحاد الأوروبي في عام 1993.
منذ أواخر الستينيات وحتى أواخر ثمانينيات القرن العشرين، دخلت البلاد في أزمة اقتصادية صعبة وفي سنوات الرصاص، وهي فترة تميزت بانتشار الصراعات الاجتماعية والأعمال الإرهابية من قبل منظمات غير ممثلة في البرلمان. بلغت سنوات الرصاص ذروتها في اغتيال الزعيم الديمقراطي المسيحي ألدو مورو في عام 1978 لتصل “التسوية التاريخية” بين الحزب الديمقراطي المسيحي والحزب الشيوعي إلى نهايتها. في الثمانينيات وللمرة الأولى منذ عام 1945 تشكلت حكومتان بقيادة رئيسين للوزراء لا ينتميان للحزب المسيحي الديمقراطي: هما الجمهوري جيوفاني سبادوليني والاشتراكي بتينو كراكسي بينما حافظ الحزب الديمقراطي المسيحي مع ذلك على كونه القوة الرئيسية الداعمة للحكومة. أصبح الحزب الاشتراكي بقيادة بتينو كراكسي أكثر انتقاداً للشيوعيين والاتحاد السوفيتي، حيث نادى كراكسي نفسه لصالح نصب صواريخ بيرشينغ في ايطاليا من طرف إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان، وهي خطوة عارضها الشيوعيون بشدة.

باولو جينتيلوني
رئيس الوزراء الايطالي الحالي
واجهت ايطاليا بين عامي 1992 و 2009 تحديات كبيرة، حيث نفر الناخبون من الشلل السياسي الماضي، والديون الحكومية الهائلة، والفساد واسع النطاق (التي تعرف مجتمعة باسم تانجيتوبولي “مدينة الرشا”، والتي كشفتها ماني بوليتي “الأيدي النظيفة”)، وطالبوا بإصلاحات سياسية واقتصادية وأخلاقية، وشملت الفضائح جميع الأحزاب الكبرى، ولاسيما تلك الموجودة في الائتلاف الحكومي: بين عامي 1992 و 1994 وقع الحزب الديمقراطي المسيحي بأزمة شديدة، وتم حله، وانقسم إلى عدة مجموعات، بينما حل الحزب الاشتراكي وغيره من الأحزاب الصغيرة الحاكمة.
جلبت الانتخابات في عام 1994 القطب الإعلامي سيلفيو برلسكوني إلى رئاسة الوزراء، ومع ذلك أجبر على التنحي في كانون الأول من ذلك العام عندما سحب حزب رابطة الشمال دعمه، وفي نيسان 1996 أظهرت نتائج الانتخابات الوطنية فوز تحالف يسار الوسط بقيادة رومانو برودي، وأصبحت حكومة برودي الأولى ثالث أطول حكومة تبقى في السلطة قبل أن تخسر الثقة بفارق ضئيل مقداره ثلاثة أصوات في تشرين الأول 1998، وتشكّلت حكومة جديدة بزعامة ماسيمو داليما، ولكنه استقال في نيسان من عام 2000.
في عام 2001 نتج عن الانتخابات الوطنية فوز تحالف يمين الوسط بقيادة سيلفيو برلسكوني الذي أصبح رئيساً للوزراء للمرة الثانية، وبقي برلسكوني رئيساً للوزراء لولاية كاملة مدتها خمس سنوات، ولكن بحكومتين مختلفتين: أولاهما كانت بين عامي 2001- 2005، وأصبحت الحكومة الأطول عمراً في ايطاليا بعد الحرب، وفي ظل هذه الحكومة انضمت ايطاليا إلى التحالف العسكري بقيادة الولايات المتحدة في العراق، وفاز يسار الوسط في الانتخابات التي جرت في عام 2006، ما سمح لبرودي بتشكيل حكومته الثانية، ولكنه استقال في أوائل عام 2008 بعد خسارته في اقتراع على الثقة في البرلمان، فاز برلسكوني في الانتخابات التي تلت ذلك في نيسان 2008، ليشكّل الحكومة للمرة الثالثة، وليستقيل عقب سلسلة من الفضائح وانتقاد أداء حكومته في ظل أزمة اقتصادية في البلاد في 12 تشرين الثاني 2011، لتخلفه حكومة تكنوقراط برئاسة ماريو مونتي في 16 تشرين 2011.

إعداد وترجمة قسم الأبحاث والترجمة عن:
ستراتفورت- فاينانشال تايمز- ريزو انترناسيونال