تحقيقاتصحيفة البعث

الزواج العرفي.. هـــل أصبـــح تهديـــداً مباشـــراً للأســـرة والبنيـــة الاجتماعيــة  فـــي ســـوريــة؟

“كيف وصلنا لهون؟! لم يتوقع أكثر المتشائمين في الحياة أن تصل أوضاعنا وظروفنا إلى هذا المستوى من التردي والسوء”.. بهذه الكلمات الحزينة عبّرت أم فرح عن حزنها، قائلةً: أطلقتُ اسم فرح على طفلتي عسى أن تكون أيامها أفضل، هي شابة في مقتبل العمر لم تتجاوز العشرين من عمرها، وجدت نفسها في أحد مراكز الإيواء مع طفلتها الصغيرة قادمة من إحدى المناطق الساخنة التابعة لريف دمشق، بعد أن هربت مع خمسة رجال وامرأتين من قريتها، حيث أقدم والدها وأخواها على تزويجها بشابٍ من دون موافقتها، وتم إجبارها على هذا الزواج مكرهةً بحجةِ أن الظروف في القرية على كفِّ عفريت، ولا أحد يعلم ما هو مصير الجميع هناك، خاصةً بعد أن سيطرت الجماعات الإرهابية على القرية والمناطق المحيطة بها، وفعلاً تم الزواج عند إمام الجامع، وهنا  قررت أم فرح أن تنتهز أول فرصة سانحة للهروب إلى مدينة دمشق بصحبة طفلتها مصممةً على أن تواجه مصيرها بنفسها، استمرت معاناتها في تثبيت زواجها، وإعطاء النسب لطفلتها.

 الدين و للزواج العرفي 

لاشك أن إحدى أهم  المفرزات الكارثية للحرب، كان ما نجم عن معظم  الزيجات القائمة على الزواج العرفي، وما سببه هذا الزواج من معاناة للكثير من النساء والأطفال في سبيل حصولهم على وضع قانوني، شأنهم في ذلك شأن غيرهم من السوريين.

وهنا قد يسأل البعض عن مدى تحقيق الزواج العرفي الشروط شرعاً، وهل هو زواج جائز أصلاً؟.

“الدكتورعبد المنعم سقا، رئيس قسم الأحوال الشخصية في كلية الشريعة، ومدرس الأحوال الشخصية في كليتي الحقوق والشريعة في جامعة دمشق وجامعة بلاد الشام، نائب عميد كلية الشريعة سابقاً”، أوضح أن العقد إذا استوفى الأركان وشروط الصحة والنفاذ وشروط اللزوم، فهو عقد صحيح، وإذا أخذنا نقاط الاختلاف التي يختلف فيها الزواج العرفي عن غيره سيكون الفارق الوحيد هو عدم توثيقه قضاءً، وقد يعتبر العقد العرفي باطلاً في حال اختل ركن من أركان الانعقاد التي تتمثل بالإيجاب والقبول، وهنا القانون أخذ ما يُسمى الفقه المقارن، حيث أخذ عن المذاهب جميعها المعتمدة، وهدفه من ذلك أن يسنَّ الأنسب والأفضل للأسرة، مضيفاً: بالنسبة للزواج القانون حدد سناً معينة، وهي السابعة عشرة للفتاة، والثامنة عشرة للشاب، والنص الشرعي واضح، ولكن لا ننصح بالزواج العرفي، فأنا دائماً أنصح طالباتي ألا يوافقن على هذا النوع من الزواج، وفي حال حصل تحت ظرفٍ ما، ضرورة تثبيته مباشرةً، ولكن بالطبع لايمكن لأي فقيه أن يقول: إن هذا الزواج محرّم بدليل نصوص شرعية، لذلك التحريم شيء، والتوجيه شيء آخر في هذا الموضوع، فنحن لا نستطيع أن نحرّم أمراً أباحهُ الله، ولكن من الضروري بمكان أن نضع هذا الأمر بموضعه الصحيح، ويتابع “الدكتور سقا: “القانون السوري واضح في هذه النقطة، فهو يحدِّد سنَّ الزواج، ولكن في ظلِّ الظروف التي نمرُّ بها اليوم، وفي حال حدث زواج عرفي لفتاة لم تبلغ السابعة عشرة من عمرها  على سبيل المثال، فإنّ القانون يُثبت الزواج لأنهُ أمرٌ واقعٌ، وحتى لا تضيع حقوق الزوجة والأطفال باعتبارهم الحلقة الأضعف، وربما وبسبب أن القانون يسكت عن مثل تلك الحالات، ويتساهل معها نراها بازدياد.

الشباب و الزواج العرفي 

رهام فتاة، تنحدر من مدينة حمص، تقدّم لخطبتها شاب من معارف الأسرة، وعندما طالت فترة خطوبتهما، وبدأت الضغوطات عليهما من قبل أهلها للإسراع بالزواج، ووضع حد لألسنة الناس على حدِّ قولها، اضطرت أسرتها بالقبول بزواجها عرفياً، ولم يستطع زوجها تثبيت زواجهما في المحكمة، لأنهُ متخلِّفٌ عن تأدية الخدمة العسكرية، فما كان منه إلا أن أقنعها بفكرة سفره، ومن ثم لحاقها به، وبعد إنجابها لطفلها تقول رهام: أنا اليوم وحيدة بعد أن تخلّى أهل زوجي عنّي وعن طفلي، طفلي أكمل عامه الأول، لم أستطع حتى الآن أن أثبت زواجي، وما زاد مصيبتي انقطاع أخبار زوجي عني، أنتظر الآن حكماً قضائياً لتثبيت زواجي، وإعطاء النسب لطفلي، مضيفةً: أرى اليوم  نفسي أنني الضحية  الوحيدة لهذا الزواج، أدفع ثمنه لوحدي.

ليس بالأمر الجديد أن هذا الزواج إذا تم ولم يثبت مباشرةً، فهو يهدد بنية المجتمع لما لهُ من عواقب ناجمة عن ضياع حقوق الزوجة، وتركها وحيدة مع أطفالها، خاصةً أن مثل هذا النوع من القضايا التي ترفع لتثبيت الزواج، ومنح الأطفال النسب، تأخذُ وقتاً طويلاً في ظلِّ هذا الكم الكبير لمثل هذه القضايا، وتحديداً في المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة التي تفتقر إلى وجود المحاكم، وما يزيدُ الوضع سوءاً وصعوبةً، غياب الزوج، أو اختفاؤه، أو موته قبل تثبيت الزواج الذي يحدث غالباً شفهياً حتى من دون ورقة بحضور شاهدين اثنين فقط.. إذاً من الضروري جداً تثبيت الزواج حتى لا ندخل في دوامة يصعبُ علينا الخروج منها، فالكثير اليوم من الشباب يستسهلون الزواج بهذه الطريقة، متسترين خلف نواياهم السيئة تحت ستار ديني، متنصلين من واجباتهم، وما نشهده اليوم في المحاكم التي باتت تغصُّ بهذه القضايا خير إثبات.

الإطار القانوني

ما هي نظرة القانون السوري للزواج العرفي؟ يوضح الدكتور أيمن أبو العيال، أستاذ القانون المدني المقارن في كلية الحقوق جامعة دمشق، أن عقد الزواج يخضع لقانون الأحوال الشخصية، وكلمة عرفي بالأساس لم ترد في الأحوال الشخصية، فهي مجرد تعبير متداول بين الناس، ولها أكثر من مدلول، فالبعض مثلاً يستخدمها على أنها عقد سري يتم من دون إشهار، فقط بشاهدين وزوجين بالغين عاقلين راشدين، وهنا القانون السوري لم يشترط إشهار العقد، اكتفى بصحة العقد، أي  بزوجين بالغين عاقلين وشاهدي عدل، يكون العقد صحيحاً.. ويتابع الدكتور أبو العيال في القانون السوري: هناك عقد رسمي وعقد عرفي من حيث الأوراق والانعقاد الرسمي الذي يتم عند موظف رسمي، أما العقد العرفي يتم بكل ضوابط العقد، يعني يكون هناك إشهار، وولي أمر الزوجة، وشهود مع توقيع الجميع على ورقة، ولكنه لا يعتبر رسمياً، وهو عبارة عن عرفي شفهي، أو عرفي بورقة عادية، وعندما يثبّت بالمحكمة يصبح رسمياً مع الضوابط المعترف بها كمعرفة موطن الزوج وسكنه، وغيرها من الأمور الأخرى، مضيفاً: إن الاستسهال بالزواج العرفي من قبل الكثير ناجمٌ عن عدم حاجتهِ لإجراءات إدارية، ولا موافقة من شعبة التجنيد على الرغم من أن شروط عقدهِ مشابهة للزواج الذي يثبّت في المحكمة، فهو يتضمن المهر والسكن، وكلّ ما يلزم.

تشديد العقوبات

إن التهاون الذي يصاحب هذا الموضوع من قبل القانون، وعدم ملاحقته للمخالفين  أفسح المجال أمام الكثيرين للتهرب من مسؤولياتهم وواجباتهم تجاه زوجاتهم وأطفالهم، وما هو مؤكد أن العدد الأكبر من الزيجات هي لفتيات قاصرات، ومعظمهنّ تطلقنَ ودخلنَ في دوامةِ البحث عن الزوج الذي في كثير من الأحيان يتهرب من مسؤوليته، ويترك زوجته تواجهُ قدرها وحيدة، وهنا تكون الفتيات ضحية العادات والتقاليد والظروف السيئة، لذلك يتوجب على القضاء السوري اليوم أن يشدد العقوبات حفاظاً وصوناً للأسرة، لأنّ ما يؤخذ اليوم على القانون السوري هو فرضه لعقوبات بسيطة، كالحبس التكديري الذي لا يتجاوز العشرة أيام، وفي كثيرٍ من الأحيان لا يحكم القاضي به، بل تدفع غرامة مالية بسيطة قد لا تتجاوز بضعة مئات من الليرات.

إذاً تشديد العقوبات ضرورة لا ترف، نتيجة المفاسد التي يمكن أن تنجم عن مثل هذا العقد حفظاً للأنساب والأعراض، ولضبط هذه الظاهرة التي باتت تهدد المجتمع السوري، وهنا لابد أن يكون الدور الأكبر لوزارتي العدل والأوقاف في كبح جماح هذه الظاهرة غير القانونية، ووضعها في إطارها القانوني الصحيح.

لينا عدره