الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“تلاشي” ريما سلمون.. وجوه من دفتر الرسام

عشرات البورتريهات المنعزلة بالأبيض والأسود شكلت معرض “تلاشي” للفنانة ريما سلمون المقام حالياً في صالة كامل للفنون الجميلة، لوحات تقارب في حضورها الموتيف المرافق لنصوص تتوارى خلف صفحات هذا الكتاب المفتوح أمام جمهور يتوقع المتعة من اللوحة، وقارئ ذكي متعته أن لا يتوقف عن ما يقرأ ببصره.. ولا يكتفي بالتنقل بين عوالم أولئك البشر الذاهبون إلى نهاياتهم بفعل الوقت فقط ليس إلا، فالوقت يتكفل بمن يقرأ أن يتوقف، لأن الفاصل بين الصمت والكلام هو خيط النهار الأخير وبداية المساء حين يحط اللون الرمادي فاصلاً بين القارئ وكتاب النهار الذي مضى، حينها يأتي دور العارف، إذ تقرأ علينا الفنانة ريما يومياتنا التي نلوذ في عزلة لا حياد عنها في زمن منهوب وقلق، تقرأ علينا اللا شيء واللا ممكن والذهاب إلى العدمية أمام اللا حيلة والعجز، الاغتراب تلاشي والذهاب نحو الداخل كخلاص هو تلاشي المحيط فيك.. ربما في الخط واللون الأبيض والأسود يستطيع الفنان المكتنز بنزعاته الجميلة أن يتمكن من إيقاظ حس الخطر والإنذار بالمتوقع، وبما تجيء به اليوميات المقفلة بالوجوم والحيرة التي تستبدل الإنسان بالبشري المجرد.

ينتمي هذا المعرض إلى تلك المشاغل الفنية لفنون البورتريه التي يحفل فيها المشهد التشكيلي السوري في جانبه التعبيري أكثر مما ينتمي إلى الجانب التصويري التسجيلي والواقعي، فالأعمال أنجزت بالنظر إلى داخل موديلاتها المتخيلة والتي تؤلفها ريما بتلقائية لا تخلو من خبرة الرسام الراوي للحكاية المكثفة في الوجوه التي تحتمل كل عناصر الروي والقص والسؤال والحيرة والارتباك.. رؤوس تعلو فوق أجساد ضئيلة بالنسبة لها, تشي بالعجز أو أنها خلقت بالصدفة لتحمل هذا العالم الذي يسكن أعلاها ويشاغله بؤس واضمحلال في الكون المحيط مما يجعل من تلاشيه أمر لا مفر منه.

ما علينا نحن الذين ننظر إلى هذه الأعمال إلا أن نبحث عن ذاتنا، وأي الأشكال المرسومة هي أو هو أناي، تصدمنا بلطف هذه السيدة بيوميات ترسمها على تلك المربعات الصغيرة وبلا ألوان أو فيزياء- وما حاجتها للألوان فهي ترسمنا- لأننا متشابهون صباحاً في الأمل وإن اختلفنا في موعد تلاشينا.

أكسم طلاع