اقتصادصحيفة البعث

إصلاح “العطارة”..!

“لن يصلح العطار ما أفسده الدهر”.. مقولة تختصر الدور الاستشفائي لمهنة العطارة المتجذرة عبر العصور، وتشير بشكل أو بآخر إلى أنها الأساس التاريخي لمهنتي الطب والصيدلة، ويؤكد ذلك الاهتمام التاريخي للدولة العباسية بهذه المهنة والارتقاء بها عندما أصدر أحد ولاتها أول فرمان يقضي بمنع تداول العطارة أو العمل بها لمن لم يتمرن ويتدرب مدة لا تقل عن أربع سنوات في بيمارستان عرب ستان، أو في بيمارستان النوري في دمشق، وهو أول بيمارستان في الوطن العربي، أي أنه تم وضع شروط لمزاولة مهنة العطارة منذ أكثر من ألف عام.

واقع سوق العطارة يعكس هذه الأيام –للأسف- حقيقة أن الفوضى هي سيدة الموقف، فمعظم روادها لقبوا أنفسهم بشيوخ كارها، ولا يمانعون أن يطلق العامة عليهم صفة “الحكماء” أو حتى “الدكاترة” من دون وجود أدنى مؤهل علمي، معتمدين في تحضير وصفاتهم على الكتب المترجمة وغير الفنية الموجودة في الأسواق، علماً أن الفنية منها لا تقدم المعلومة الصحيحة، وذلك نتيجة انكفاء الجهات المعنية –خاصة وزارة الصحة- عن ضبطه ومراقبته الدقيقة، ما فسح المجال واسعاً لمدعي “الخبرة العالية” بوصف ما يحلو لهم من أعشاب للمرضى الغارقين والحالمين بالتعلق بقشة النجاة، لتتحول العطارة إلى عمل من لا عمل له..!

وسرعان ما يلحظ المتجول في سوق العطارة أن قسماً من دكاكين العطارة لا يقدم أية وصفة للمرضى، وإنما يبيع المواد العشبية بحسب رغبة الزبون، ويقدمون أنفسهم على أنهم باعة أعشاب وليسوا عطارين، وأن قسماً آخر خطّ على محله عبارة شيخ العطارين، ويسوق نفسه على أنه ذو خبرة واختصاص في هذا المجال، ولا ضير لديه بوصف أية وصفة علاجية لأي مرض..!

كما أن معظم العطارين الموجودين في سورية يشترون أعشابهم من الفلاحين المحليين الذين يعتمدون في تسويق منتجاتهم على صور لأعشاب تشبه تلك المنشورة في الكتب الخاصة بالأعشاب، وليس بالضرورة أن تكون نفسها، ولاسيما أن هناك حوالي 70 نبتة تباع بأسماء لا علاقة لها بالتصنيف النباتي.

لقد بات تنظيم مهنة العطارة التي يعمل بها كثير من الناس بشكل مبالغ فيه أمراً ملحاً، ويستدعي وضع ضوابط تحدد كيفية تداول المواد العشبية وطرائق حفظها وبيعها، وإعداد دليل إرشادي لكل من يريد العمل بهذه المهنة، مع الإشارة هنا إلى أن هناك قراراً تنظيمياً خاصاً بمهنة العطارة ولم يفعّل إلى الآن، ويحتاج تفعيله إلى جهود وزارات الإدارة المحلية المانحة لترخيص محلات بيع الأعشاب، والزراعة لإعطاء الموافقة لدخول الأعشاب من خارج سورية، والتجارة الداخلية وحماية المستهلك كجهة رقابية، إضافة إلى وزارة الصحة كجهة وصائية على القطاع الطبي من ألفه إلى يائه..!

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com