الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

امــــرأة المســــافـات

سلوى عباس

أيا امرأة المسافات البعيدة والوجع الذي لا ينتهي.. أتراها تمطر الآن فيتساقط عمري من نهايات شعرك قطرة قطرة.. أكتبك شوقاً أم وجعاً.. أهيم في دقائق عمرك وأنا أقرأ حزنك الآخر.. ولأن الجسد حقيبة سفر أعود إليك روحاً تكتبني على ضفاف وجهك الطفولي.. امرأة عشقها الليل فألبس جسدها عباءته السحرية تلتف في ثناياها، ولأنه يغار عليها استوطن في عينيها حزنه الأبدي، وليكتب الخريف وحده حكاية عمرها، فكان هذا العمر الآخر.. وكانت هي.. نبوءة الزمن الغريب..
صباحك ندى كقطرات هذا الحزن المتساقط على نافذة عمري.. صباحك ياسمين.. ولأن للروح عالمها الذي تهيم فيه كان هذا التوق لصوتك.. لكلماتك.. أذهب للنوم باكرا والقلق يلوّن عينيّ وهبط الحلم عليّ.. وكان الطوفان سيد الحلم.. أن تحلم بالطوفان هو الجنون بعينه.. نعم أعترف أنني أشتهي البحر وعبق أنفاسه المخضبة برائحة الولادة.. فما زال بحر مدينتك في ذاكرتي.. مازلت أسمع نداء الغرق يتردد في مسامعي وأنا أستحضر اختلاج قلبي مع صفحاته من إطلالة كورنيشه.. كان الوقت ليلاً، وكانت شهوة الانتحار تفوح وتفوح كما لو أنها عذبة شهية.. ربما كان الدافع وراء هذا كله الرغبة في العودة إلى هذا الرحم الأكبر.. والعودة إلى جنين صغير يتكور على بعضه في انتظار الولادة الأخرى، ولكن أن تستيقظ على بحر يختلج من تحتك فتسمع خرير المياه وهذا الطوفان يأتي على حين غرة.. والمياه تتدفق من كل حدب وصوب.. يا إلهي ما هذا كله.. ما الذي حدث وكيف حدث.. ويخرج النوم من نافذة الغرفة يتنصل مما حدث، ولتبدأ رحلة الجري وراء إنقاذ ما يمكن إنقاذه..
عدت إلى الحكاية الأولى.. في البداية كان الطوفان ومن ثم رسالتك النبوءة، وهل أحلم أن تكتبني امرأة بحزن من نوع آخر.. ويعود الشتاء وتعود عيناك نافذة الحلم البعيد.. وأقرأ “وحدن بيبقوا”.. يا أيتها القادمة من أعماق الزمان تعالي خذيني إليك.. قطرة متعلقة بنهايات شعرك الأسود.. من أين جئت وإلى أين ترحلين بحزنك هذا.. آه يا هذا العمر.. أي امرأة تلك التي تأخذك لمرافئ الحزن العتيق.. هل هذا يكفي.. لا.. فها هو زمن الياسمين بين يديك.. يا أيها الحزن المرتدي عباءة الياسمين كنت وراء اعتقالك أكثر فأكثر.. وها أنت الآن تطوقين عنقي بياسمينك.. ويرتديه القلب.. دفء آخر هو الاشتياق إليك.. وينفلت الشوق.. آه.. يا ياسمينها أي كفن أنت لجسد طالما تاه بعيداً وراء المعجزة.. من يعيدني الآن إلى يديك أغسل وجهي برائحة الياسمين وهو يتعمد على صفحات راحتيها وقد قرأ النبوءة بعينه، وحمله ياسمينها إلى حيث هي فكانت نشوة الغرق.. أما زلت تشكين بهذا.
لم أنس الكتابة إليك.. وكيف أنسى وروحي معجونة برائحتك، ولكن ربما كان الاستمتاع بنشوة الاشتياق إليك وراء هذا الغياب.. ولكن “كيفك أنتِ”.. مازالت أول الكلام وستبقى..
يا فنجان قهوتها كيف هي شفتاها وهي ترتشف قهوتها الصباحية.. كيف هو وجهها الحزين آخر النهار المشرق في ليلها.. ما هي أخبار الأنامل الخجولة وهي ترتجف من البرد ربما.. وربما من هاجس آخر.. يا مكتبها.. أتذكر اللقاء الأول والساعة الثالثة.. لم أكتشف المطر هنا.. فما زلت اقترب منه بخجل.. هل يعقل أن يغسلني مطر آخر غير مطر دمشق.. دمشق وياسمينك يقتلني.. لك عمري.. يا امرأة المسافات البعيدة مدي لي شراع يديك من غير ميعاد.. لك الشوق يكتب واحتراق مساء لابد سيأتي معك، فرائحة ياسمينك تغسلني.. تعتقلني للحظة تكونين فيها ويكون النبض الآخر كأول مرة التقينا.