ثقافةصحيفة البعث

الاقتباس للتلفزيون بين الماضي والحاضر

 

 

يمكن الاعتماد على أربعة مسلسلات محلية كعينة للمقارنة، وذلك للوقوف على حال الاقتباس، كيف كان جيدا وكيف أصبح حاله اليوم؟، اثنان منهما جيدان، واثنان ليسا كذلك، بهدف الاقتراب من أسباب نجاح الاقتباس الدرامي- التلفزيوني- في الماضي وفشله الآن.
العمل الأول هو “حمام الهنا”-1968-المأخوذ عن رواية،بعنوان “الكراسي الاثني عشر” تأليف الكاتبين السوفيتيين “ايلفوبتروف”، كتب السيناريو والحوار له الفنان الراحل “نهاد قلعي”، وهو مسلسل تلفزيوني مكون من خمس عشرة حلقة، تدور أحداثه في حمام السوق، عن محاولات الشخصيات العثور على الكنز المخبوء في الكراسي الضائعة، وعملية الاقتباس كانت ناجحة جدا، فالمسلسل لم يزل يعرض إلى أيامنا هذه، ويحقق نسب مشاهدة عالية.
المسلسل الثاني هو “جريمة في الذاكرة” وهو مسلسل سوري مأخوذ عن رواية الجريمة النائمة ـ أجاثا كريستي، عرض عام 1992، وتتحدث قصة هذا المسلسل عن امرأة تراودها مشاعر غريبة في البيت الذي انتقلت حديثا للإقامة فيه، بعد عودتها من الاغتراب، لتكتشف أنها كانت تقيم في نفس البيت، حيث وقعت جريمة خلال سنوات طفولتها الأولى، الحبكة تشابه إلى حد كبير، في رواية “كريستي”، نص ممدوح عدوان يعتبر أيضا تجربة اقتباس جيدة، وهو، من أهم الأعمال البوليسية في تاريخ الدراما التلفزيونية المحلية.
العملان السابقان، نجحا، بسبب قدرة كل من الكاتبين على إيجاد معادل محلي، للقصة الأجنبية، نهاد قلعي بجعلها تدور في مكان شديد الارتباط بالثقافة الشعبية المحلية، وهو حمام السوق، وممدوح عدوان، بافتراض أن المرأة عائدة من الغربة، ومن الطبيعي أن تكون لها بعض العادات الأجنبية، وهكذا لم نشعر بأن القصة من مجتمع أجنبي، فكل ما هو غريب الآن، يمكن أن يبرره الجمهور، بأنه عائد إلى الشخصية وعاداتها المكتسبة من ذلك العالم.
لكن بالمقابل لا يخفى على الجمهور، التدهور الحاصل في الاقتباس الدرامي، والذي حدث في السنوات الأخيرة، فأصبحت الأعمال المقتبسة عن أعمال أجنبية، مضرب مثل في الرداءة، وهنا يمكن أن تفوز المسلسلات التي اُقتبست عن الثلاثية الهوليودية”العرّاب” بالجائزة الأكثر رداءة، وهو يأخذها مناصفة، مع مسلسل “اوركيديا” المقتبس عن المسلسل الأمريكي الشهير “لعبة العروش”، فلماذا لم يحققا حضورا جماهيريا قائما، مثل مسلسلي “حمام الهنا” و”جريمة في الذاكرة”؟
بصرف النظر عن الفروق في المستوى بين نهاد قلعي وممدوح عدوان من جهة، ويبن الذين قاموا باقتباس مشتقات “العرّاب” و”لعبة العروش” من جهة ثانية، فإن هناك عوامل تعود للمسألة الإنتاجية نفسها، ففي الحالتين الناجحتين، كان الكتّاب هم من يختارون العمل الأجنبي، ويقترحونه على الشركة المنتجة، يعتمدون بذلك على ذائقتهم، وإبداعهم، وحسن اطلاعهم على أحوال مجتمعهم، ومعرفتهم بالأعمال التي تناسب، وبالمقولات التي تنسجم مع ثقافة المجتمعات المحلية، وهناك سبب مهم أيضا، وهو أن الاقتباس كان يؤخذ من رواية وليس عن دراما منجزة على الشاشةّ، فلا يوجد مجال للمقارنة البصرية.
في حالتي “العرّاب” ومشتقاته و”اوركيديا” فإن انتقاء العمل الأجنبي الذي سيخضع للاقتباس، يحدث من القائمين على الشركات، ما يجعل العمل خاضعا لتصورات إنتاجية صرفة، تعتقد أن عملا ناجحا في الغرب، لا بد أن ينجح هنا، ولا ينقصه إلا أن يُعرض على فضائيات قوية في أوقات الذروة، ثم يستكتبون من يقوم باقتباسه، وذلك في معادلة عكسية، فبدلا من التفكير بأن، العناصر الفنية الإبداعية في العمل، هي ما يجعله يحقق النجاح الإنتاجي، فإنهم يفكرون بأن النجاح الإنتاجي، يأتي قبل النجاح الإبداعي!
ليس ذلك فقط، بل إن العملين الحديثين، قاما بالاقتباس عن عملين ضخمين، ناجحين في الغرب، وشاهدهما الجمهور العربي والعالمي على الشاشة، وهنا تبدأ المقارنة بين حوارات “ماريو بوزو” الرفيعة في فيلم “العرّاب” وبين المسلسلات المقتبسة عنه وحواراتها الركيكة، وأيضا بين حبكات وذروات “جورج مارتين” مؤلف “أغنية الثلج والنار” وهي الرواية، التي اقتبس عنها، مسلسل “لعبة العروش”، وبين الحبكات غير المقنعة التي ظهرت في مسلسل “أوركيديا”، المقارنة لا بد أن تشمل أيضا الديكورات والملابس والأخطر من كل ما سبق هم الممثلون، هناك لدينا “مارلون براندو” و”آل باتشينو”، ومن قاموا بأداء الأدوار ذاتها في النسخ العربية، وأكثر من ذلك التصوير والمونتاج، كله متاح للمقارنة.
أما في حالة العملين القديمين، وكون الاقتباس عن رواية، فذلك لا يجعل احتمال المقارنة البصرية قائما.
طبعا هناك أعمال مقتبسة أخرى جيدة، متفاوتة المستوى، ويمكن أن تضاف إلى قائمة المسلسلين الجيدين “حمام الهنا، جريمة في الذاكرة” ولكنني اعتقد أنهما الأفضل، كما أن هناك أعمالا مقتبسة أخرى، منخفضة المستوى، يمكن أن تضاف أيضا إلى قائمة “العرابات” و”واوركيديا”، وهما أيضا الأقل مستوى.
المشكلة أن هذه الطريقة في الاقتباس مستمرة، ونسمع بين الحين والآخر، عن مسلسل مقتبس عن فيلم، أو مسلسل غربي، من دون تقديم أي جديد أو جميل للجمهور العربي، ماعدا الترويج للأصل الأجنبي، فما الذي يحدث في هذا الفن القائم بحد ذاته؟، ولماذا يعجز الكتّاب وشركات الإنتاج، عن إيجاد قصة محلية جيدة، يُقتبس عنها، أو حتى عالمية، ولكن بالإمكان توطينها بمهارة في مجتمعهم، عوض هذا الفشل الذي لا يستتبعه إلا المزيد من هدر ماء وجه الدراما المحلية!.
تمّام علي بركات