ثقافةصحيفة البعث

“فتاة غسان” شاعرة من دوحة الشعر الأصيل

 

 

امرأة سورية رائدة، سبقت عصرها في أفكارها وشعرها ودعوتها إلى نبذ التفرقة وتعليم الشباب، حملت لواء تحرير المرأة وتثقيفها فكانت بحق مثال المرأة السورية التي يجب أن يقتدي بها وتكون فخراً لكل السوريات، إنها فاطمة سليمان الأحمد أو “فتاة غسان” التي خصصت لها ندوة “سوريات صنعن المجد” التي تقيمها وزارة الثقافة تحت عنوان “فتاة غسان شاعرة من دوحة الشعر الأصيل” حيث أدار الندوة د. إسماعيل مروة الذي أوضح أننا جئنا لنحتفي بهذه الشاعرة الكبيرة التي هي أخت شاعر وابنة شاعر وزوجة شاعر وتستحق التكريم والاحتفاء.

تأثير البيئة
بدأ م. أسامة ديب الحديث بالتركيز على (الفكر التنويري وتأثير البيئة في شعر فتاة غسان) قائلاً: نتحدث اليوم عن شاعرة سورية استطاعت أخذ مكانة مرموقة في تاريخنا المعاصر، وهي جزء من نضال الحركة النسوية، وأشار أن هناك مجموعة عوامل ساعدت في أدب فتاة غسان كالبيئة حيث حملت بداية القرن العشرين رياح التغيير المترافق بحراك مجتمعي، وأفرزت رموزاً اجتماعية لعبت دوراً مهماً في التغيير، مع ضرورة التحدث عن الدور الهام لوالدها في صقل الموهبة وإغنائها بفيض من أفكار حملت بعداً تنويرياً، فقد تشربت وهي ابنة الـ 14 ربيعاً أفكار والدها الذي وقف ضد الجهل والتفرقة وأولى مسألة تعليمها اهتماماً كبيراً، في الوقت الذي كان تعليم المرأة السورية أمراً محرماً وهي لم تذهب للمدرسة لكنها اطلعت على مكتبة والدها الغنية ووجدت فيها أفكار العدالة والمساواة، وميز ديب بين نمطين من القصائد الوجدانية عندها، الأول: عكس هروب الشاعرة من حالة الصدام المباشر مع قيم الواقع غير المنسجمة مع أفكارها، والثاني عكس بداية تحول في حياتها بدأت تتلمس طرقاً أخرى وتطرح جملة تساؤلات فرضتها التحولات الاجتماعية، وتحولت عزلتها إلى إحساس بوحدة الإنسان ولم تكن سبل الخلاص واضحة لها ولم تسع لمعالجة واقع، بل عبرت عن نوازعها بقالب أدبي عكس رغبة بتلمس طريق الحرية، وقد أفضت العزلة وتراكم المعرفة والتغييرات المتسارعة إلى تحول كبير في أدب فتاة غسان، فالصراع من أجل الاستقلال والنهوض بالوطن والتعليم بدأت تتحول إلى هواجس مؤرقة ومحاولة إيجاد أجوبة للحياة، ودعت إلى تعليم جيل الشباب والمرأة بشكل خاص، وممارسة دورها كشريكة في الوطن، وما أحوجنا اليوم لوجود فكر تنويري أخلاقي جامع لكل أطياف المجتمع، ورسالة فتاة غسان تصلح لتكون غاية وهدف لجيلنا.

نظرات في شعرها
وبيّن د.محمد عبد الله قاسم أن فتاة غسان هي سليلة أسرة يصدر عنها الشعر كما يصدر العطر من الورد، وهي واحدة من أولئك الذين بسط لهم في البيان بسطاً ورزقاً من القول والكلام البليغ، فجاء شعرها سلساً عذباً أنيساً، وتابع: ولدت فاطمة في قرية السلاطة(اللاذقية) وأبوها هو علامة الجبل في عصره أدباً وفقهاً ومعرفةً، أزكى في بيته حب المعرفة والتنقيب والبحث الدؤوب، وقد نشأت فاطمة في هذه البيئة الدفاقة بالعربية الصافية وأظهرت ميلاً للتعليم، وكانت تجيب عن الأسئلة وتحفظ الأشعار وتبهر الناس بذكائها وتعجب من فصاحتها كبار المشايخ واحترموها وأحبوها، لافتاً إلى أن هذه الأجواء الطافحة بالشعر والمحفوظات الصافية ووراثة الموهبة فجرت في نفس فاطمة شعراً صافياً وكانت تتمتع بصفاء الذاكرة وتوقد المخزون وحضور سلطان العلم وجودة حسها النقدي وألمعية الذائقة الأدبية، أما فيما يخص لقبها “فتاة غسان” فأشار قاسم إلى أنه لقب اختارته لنفسها أخذته من رواية بطلتها التي كانت تدافع عن قضايا عظيمة وكانت تحمل ذات الاسم، وأحبت أن تتقمص هذه الشخصية وهذا الاختيار من الشاعرة يحقق مجموعة دلالات إنها امرأة رائدة متنورة، وإشارة لاعتزازها بنسبها الغساني إذ إنها تنحدر من صلب الغساسنة العرب الخلّص، كما أنها تعكس مذهبها في صفاء الديباجة والحس العروبي الخالص ودوحة الشعر الأصيل.

سبقت عصرها
ولفت د. جهاد بكفلوني في مداخلته، أنه حري بنا ونحن نستعيد ذكرى شاعرة بوزن فتاة غسان أن ننفض الغبار عن ذلك الذهب الإبريز، فهي شاعرة سبقت عصرها بشاعريتها ونظرتها إلى الدين ونبذ الفرقة والطائفية، وأجادت في سبك المفردة بلغة أنيقة فحققت بذلك سبقاً فريداً من نوعه بين نساء عصرها، مع الأخذ بعين الاعتبار طبيعة ذاك العصر الذي كان يئن من آثار الاحتلال العثماني، وكانت المرأة تقبع في زاويا الإهمال والنسيان وتعليمها ضرباً من ضروب العار، وبيّن أنه في بيئة متفتحة يقودها الشيخ العلامة سيلمان الأحمد نشأت الفتاة، وكانت ذات حافظة عجيبة وزودها والدها بعيون الشعر العربي فحفظت منه الكثير، مما ساعدها على امتلاك لغة شعرية كانت آية من الإبداع، وأكد أننا نعني بالسبق تجاوزها لعصرها فهي لم تدع فقط لتعليم المرأة، بل لتثقفيها وجهرت بصوتها داعية المجتمع لتحميل الرجل الذنب في الخطيئة كما المرأة، ولاحظت أن الدين استغل لأغراض سياسية، وأصبح معول هدم في مجتمعنا السوري، وحذرت في وقت باكر من سياسة التفريق، واستنكرت على العرب وقوفهم على عتبة التاريخ.
لوردا فوزي