دراساتصحيفة البعث

ترامب والذهاب بعيداً في عزل أوروبا

ترجمة:عناية ناصر

عن موقع بلومبيرغ 2/5/2018

صمّم دونالد ترامب على مواجهة حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيين في كل قضية ذات أهمية، بدءاً من التجارة إلى تغير المناخ إلى الاتفاق متعدّد الأطراف مع إيران. لكن مع ازدياد الحذر لدى الساسة والجمهور على الجانب الأوروبي من الأطلسي، ارتفعت الأصوات المتسائلة ما إذا كان ترامب يريد حلفاء بالفعل؟!.

بعد الزيارات غير الناجحة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى واشنطن، أمهل ترامب أوروبا شهراً آخر للإعفاء من الرسوم الجمركية على الصلب والألومنيوم، وكله أمل أن توافق دول الاتحاد الأوروبي على تصدير الحصص بدلاً من ذلك، لكن بهذا الإجراء لن يستطيع أحد التكهن لماذا تريد إدارة ترامب ذلك، إذ إن الرسوم الجمركية ستحقق على الأقل بعض الإيرادات للولايات المتحدة، في حين أن الحصص ستؤدي فقط إلى أرباح غير طبيعية بالنسبة للمصدّرين لأن الأسعار سترتفع حتماً. من الواضح أن الزعماء الأوروبيين غير قادرين على تحديد ما إذا كان ترامب يريد التعريفات الجمركية أم الحصص؟.

ثم هناك الاحتمال الذي أكده ماكرون بعد محادثاته مع ترامب، بأن تنسحب الولايات المتحدة من الصفقة النووية الإيرانية وتعيد فرض العقوبات على إيران. وهذا هو العرض الذي قدّمه رئيس الوزراء “الإسرائيلي بنيامين نتنياهو” كي يشجع دونالد ترامب على اتخاذ قرار إلغاء الاتفاق النووي مع إيران. غير أن طريقة عرض نتنياهو المسرحية لإثبات أمر لا يتفق بالضرورة مع المعطيات “المواد التي حصلت عليها المخابرات الإسرائيلية المتعلقة بخطط الأسلحة الإيرانية قبل الصفقة”، فلا شك أنها تؤثر على ترامب بشكل أكبر من الحجج المنطقية التي يقدمها الزعماء الألمان والفرنسيون، أو التأكيد الواقعي لمسؤولة السياسية الخارجية للاتحاد الأوروبي  فيديريكا موغيريني بأن إيران ملتزمة بشكل كامل بالتزاماتها في اتفاق عام 2015.
علاوة على ذلك، أرسلت لغة الجسد -التي تشير إلى السخرية- في لقاء ترامب مع ماكرون، وامتعاضه الغاضب تجاه ميركل الرسالة ذاتها: “أعطني ما أريده أو لا تقم بأي شيء”. وهذا الخيار الأخير هو ما سيشكّل قفزة مخيفة في نظر السياسيين الأوروبيين الذين يدركون أهمية التحالف عبر الأطلسي منذ أواخر الأربعينيات، لكن الجمهور الأوروبي وقادة الفكر قد يفكرون بشكل مختلف.

ووفقاً لمركز “بيو” للأبحاث، بلغت نسبة قبول الولايات المتحدة “البلد، وليس الإدارة”،  46 في المائة في فرنسا، و35 في المائة في ألمانيا، وهي أدنى مستوى لها منذ عام 2008، حين كانت سمعة الولايات المتحدة تعاني نتيجة غزو العراق، ونتيجة تصاعد الأزمة المالية. أما الآن فلا توجد أحداث مهمّة كتلك السابقة، ولكن هناك ترامب. ووفقاً لاستطلاع رأي أجراه مركز “فورسا” -واحد من أكبر مراكز الاستطلاع في ألمانيا- فإن الألمان يعتبرون أن ترامب يشكل خطراً كبيراً على السلام العالمي، وهذه هي الحال حتى بين أنصار حزب ميركل المحافظ.

كما نشرت مؤسسة “بيو” للأبحاث في شهر آذار الماضي استطلاعاً لقادة الفكر الأوروبيين والأمريكيين -معظمهم من خبراء السياسة الخارجية- أظهر أن الأوروبيين يعتقدون أن ترامب يمكن الاعتماد عليه بقدر بوتين، ولكن أقل بكثير من ميركل وماكرون ورئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، للقيام بالشيء الصحيح في الشؤون العالمية. ويعتقد معظم هؤلاء الخبراء -الأمريكيون والأوروبيون على حدّ سواء- أن العلاقات بين الولايات المتحدة وأوروبا تزداد سوءاً في جميع النواحي.

قد تكون أوروبا مرتبطة بالولايات المتحدة من أجل الأمن، لكن معظم الأوروبيين يرون أن الأمن مشكلة سياسية، وليس مشكلة جيوسياسية، لذلك من الصعب أن نشرح لهم بالضبط التهديدات التي تمنعها الولايات المتحدة!.

إذا كان نهج ترامب “أمريكا أولاً”، الذي تجلّى بشكل واضح خلال المؤتمر الصحفي المشترك لترامب مع ميركل، تمليه اعتبارات محلية، وهو كذلك، فإن موقف ترامب بشأن الصفقة الإيرانية، وكما يرى ماكرون، يمكن أن يكون هجوم الولايات المتحدة على الصفقة مربحاً سياسياً في أوروبا، لكن ميركل وماكرون ملتزمون بعدم لعب هذه الورقة، بما في ذلك في حملاتهم الانتخابية الأخيرة. وكمثال على مدى بساطة ذلك، لا يحتاج المرء الذهاب إلى ما هو أبعد من مقابلة غونتر اوتينجر، مفوض ميزانية الاتحاد الأوروبي وحليف ميركل السياسي، مع قناةZDF  الإخبارية الألمانية.
يقول اوتيجنر: “نستورد الجينز من الولايات المتحدة، ولكن هناك المزيد من المنتجات الأوروبية التي تجذب الأمريكيين”. وتابع: “لديهم ميزة في قطاع واحد هو القطاع الرقمي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والبيانات الكبيرة، ولكن عندما نذهب إلى الصناعة الحقيقية، هناك عدد قليل من المنتجات الأمريكية التي تجذب الأوروبيين”.

هذا التباهي الاقتصادي ليس في غير محله تماماً، إذ إن أوروبا لديها فائض تجاري مع الولايات المتحدة في معظم السلع الصناعية، وكذلك في الغذاء، يمكن أن يسهل انتقاد السياسة الأمنية الأمريكية، خاصة إذا ألغى ترامب الصفقة الإيرانية، لكن يمكن ربط أي تصاعد في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط بسهولة بزيادة الهجرة إلى أوروبا، على الرغم من أن الأحزاب المتطرفة في أقصى اليسار واليمين قد أظهرت هذا الارتباط حتى الآن. ولكن إذا استمر سياسيو الوسط في تجاهل ترامب علناً​​، فإن هذا النوع من النقاش يمكن أن يصبح اتجاهاً سائداً.

ربما كان ترامب عازماً على الوفاء بوعوده للناخبين، ولكن إذا كانت لديه إستراتيجية واعية للسياسة الخارجية، فإنها ستبدو وكأنها رهان على أن الأوروبيين -على الأقل المعتدلين والموثوقين منهم، أمثال ميركل وماكرون– سيتقبلون الإهانات البسيطة وينصاعون لذلك، لأنه كما قال في المؤتمر الصحفي الأخير مع ميركل: الولايات المتحدة “بلد قوي جداً جداً”.

هذا رهان أبعد ما يكون عن النجاح، ويبدو أن ماكرون وميركل بانتظار ما بعد ترامب، ولكن إذا فاز بانتخابات عام 2020 أو إذا تبنى خليفته موقفاً مماثلاً، فإن الدورة الانتخابية المقبلة في الدول الأوروبية الرئيسية قد تتحول إلى معاداة أمريكا أكثر بكثير مما كانت عليه، وذلك ببساطة لأن آراء العامة والخبراء تشير إلى وجود مكاسب سياسية يحقّقها هذا النهج. هكذا يتمّ تقويض التحالفات القائمة منذ فترة طويلة.