صحيفة البعثمحليات

رُهاب الامتحان..!

 

أن تتناقل الأخبار ثلاث حوادث انتحارٍ متفرّقة، في محافظتين، لطلبةٍ، في مستهلّ امتحاناتنا العامة للشّهادتين الإعداديّة والثّانويّة، بداعي رهبة الامتحان وضغط الدّراسة ومطالبة الأهل لأبنائهم بحتميّة التّفوق، وكارثيّة خسارة العلامة؛ لأمرٌ يقتضي المراجعة العميقة والجادّة لنظام القبول الجامعيّ البالي لدينا، والوقوف مليّاً على رثاثة مدخلاته، وصدأ آلياته وتكلّس سيالته العصبيّة!.
فإذا ما علمنا أنّ عدد طلابنا المتقدّمين إلى امتحانات الشّهادة الثّانوية “البكالوريا” بفرعيها العلمي والأدبي يتجاوز المائتي ألف طالب، فيما عدد المتقدمين إلى امتحانات الشّهادة الإعدادية يزيد عليه؛ ندرك أنّ العدد ذاته من الأسر السورية كلّ عام؛ يعيش حالة رُهابٍ واستنفارٍ ماديٍّ ومعنويّ مع هؤلاء الأبناء الذين سيتحدّد مصيرهم وترتسم معالم مستقبلهم مع كل درجة يحصّلونها في امتحان تقرير المصير، والمغمّسة على التّوازي مع جدّ هؤلاء الأبناء واجتهادهم بسهر الأُسر وأرقها المُستلّ من حرصها عليهم وتفانيها في تأمين المناخات الملائمة لهم؛ لتحقيق مجموع نهائيّ يُبلور مصيرهم الدّراسيّ ومن ثمّ المهنيّ.
رهابٌ؛ لطالما تناولته صحافتنا نقداً وتمحيصاً واعياً وعميقاً، والذي استولده نظام القبول الجامعي المُعتمد، الذي أكل الدّهر عليه وشرب، والذي يكاد ينعدم فيه هامش الطّموح والهواية والميول والملَكَات الشّخصيّة؛ وما قد ينتجه من مبدعين محتملين، لمصلحة علامة “البكالوريا” التي لها وحدها الكلمة الفصل في تقرير المصير، لتغدو بحدّ ذاتها الغاية والهدف؛ ولتكرّس بالتّالي قوالب التّلقين بما هي: عملية صامتة من التّدجين، وإطفاء جذوة الإبداع والابتكار، وجعل الجميع متشابهين، إذ أليس كلّ طلاب البكالوريا متشابهين لجهة القلق الشّديد الأقرب إلى الذّعر وهوس الحصول على العلامة؟.. والأنكى أنّ المجموع العام يُمسي حكم قيمة للطالب، كما لو أنّ قيمته الذّاتيّة وكيانه الإنساني مُستمدّان من هذا المجموع.
الأمر الذي يستوجب وبكثير من الملحاحيّة؛ فتح باب النقاش العام الواعي واسعاً، حول الرّوائز والمعايير الواجب اعتمادها كنظام قبول جامعي لدينا، في ضوء أنظمة القبول الجامعي التي تعتمدها جامعات العالم، سواءٌ لجهة إنصاف الطلبة في انتظامهم بصفوفها، أم لجهة الحؤول بين هؤلاء الطلبة وذويهم وبين “رهاب البكالوريا” بكل ما يستبطن من شدّات نفسيّة واستنفار أُسريّ على مدار العام، ويجعل وزارة التعليم العالي في مرمى الأسئلة: هل نظام القبول الجامعي القائم يعبّر عن كفاءة الطالب الحقيقية؟ وهلاّ اعترفنا بدواعي وموجبات إعادة النظر فيه كمدخل إلى تعديله؟ وإذا ما كان الجواب: بلى، فلِمْ لا يُطرح الموضوع للنقاش العام عبر وسائل الإعلام باعتباره قضية رأي عام؟ وليُدْلِ كلٌّ بدلوه ولاسيّما التّربويون والمتخصّصون، مستأنسين في هذا السّياق بتجارب الكثير من الدّول التي تستعين لهذه الغاية بمراكز متخصّصة بقياس المهارات والمَلَكات لدى الطلاب، وتضم عدداً من الباحثين والأساتذة المحايدين الذين لا يرتبطون بأية وزارة أو جامعة، وتتجسّد مهمتهم الأساسيّة في إنجاز الامتحانات المعياريّة للقبول في الجامعات الحكوميّة منها والخاصّة على حدّ سواء.
بالتّأكيد؛ ثمّة من سيتحفّظ على الخطوة، بدعوى التّخوّف من الشّخصانيّة، وعدم الشّفافية التي قد تتمخّض عنها، قياساً بالموثوقيّة العالية التي يتمتّع بها نظام القبول القائم على علامة الثّانوية العامة المطبّق حالياً، ما يُرتّب على وزارتي التّربية والتّعليم العالي: تلمُّس طريق الألف ميل، بالخطوة الأولى، والتّصدّي لهذا التّحدّي الحقيقي والاستحقاق الوطنيّ، عبر اجتراح الخيارات والآليات الكفيلة بالحلّ، وطرحها على الجمهور للمناقشة وتصويب المُقترحات وتنقيح مُسوّدات الحلول بدايةً، ومن ثمّ استفتائه عليها تالياً، وصولاً إلى نيل نظام القبول العتيد ثقة الجمهور، تمهيداً لاعتماده.
أيمن علي
Aymanali66@hotmail.com