رياضةصحيفة البعث

مونديال روسيا على خط الانطلاق من الكرة الشاملة إلى التيكي تاكا.. كأس العالم فرصة للإبداع واكتشاف الجديد كروياً

 

لطالما كانت كؤوس العالم بمثابة “جراب” الساحر الذي يحتوي كل ما يبهر الجمهور والمتابعين، ودائماً كانت المونديالات بمختلف نسخها فرصة لرؤية أشياء جديدة في شتى التفاصيل الصغيرة، ولأن كرة القدم اختلفت كثيراً منذ النسخة الأولى حتى يومنا هذا، كان طبيعياً أن نكون أمام فرضية أن نشاهد طرق لعب جديدة، وخاصة من المنتخبات الكبرى، فالجميع يدرك أن طرق اللعب باتت اليوم محددة من حيث الشكل، لكنها من حيث المضمون تختلف بتفرعاتها وطرق تطبيقها على أرض الملعب، فمن الكرة الشاملة إلى الكاتاناتشيو إلى التيكي تاكا، أسماء حملت مدارس لعب مختلفة في حقب زمنية متباعدة، حققت نتائج أدخلتها قائمة الأفضل.

نواقص كثيرة

الكلام عن تطبيق خطط معقدة، وتعليمات تكتيكية في النسخ المونديالية الأولى، يبدو ضرباً من الخيال، فمن يتابع أرشيف هذه البطولات يدرك أننا كنا أمام لعبة تشابه كرة القدم الحديثة، لكنها لا تطابقها، فعلى سبيل المثال في البطولة الأولى عام 1930، توّج منتخب الأوروغواي باللقب بفوزه في النهائي على الأرجنتين في مباراة سادها الخلاف الشديد حول الكرة التي ستلعب فيها المباراة، وفي النسخة الثانية، تم تفصيل اللقب على قياس ايطاليا تنظيمياً وتحكيمياً لغايات سياسية، فيما فازت البرازيل بنسخة عام 1962 مع استخدامها 12 لاعباً طوال مراحل البطولة، ولولا إصابة نجمها بيليه لخاضت كل مبارياتها دون تبديل، لذلك كان يبدو الحديث عن التفاصيل الصغيرة والخطط المرسومة أمراً غير منطقي، كما أن بعض المنتخبات في تلك الحقب التاريخية لم تكن على دراية بقوانين كرة القدم تحكيمياً وفنياً.

الانطلاقة الأولى

يمكن القول بأن كأس العالم بنسخته الحديثة بدأ منذ بطولة عام 1974 التي شهدت دخول النقل التلفزيوني الملون، والملاعب الراقية، والتصميم الجديد لكأس البطولة، لكن الفتح الكروي الكبير كان للمنتخب الهولندي الذي حمل معه طريقة لعب جديدة غيّرت مفاهيم اللعبة إلى يومنا هذا.

فلاعبو المدرب رينوس ميكليز خاضوا البطولة ناقلين تجربة فريق اياكس، ومعتمدين على خطة سميت بالكرة الشاملة، قوامها طريقة لعب بنظام 4- 3- 3، وبتوزيع فريد على أرض الملعب، معتمدين على لامركزية قل نظيرها تجعل المدافع مهاجماً، ولاعب الوسط في رأس الحربة، وتحمل المهاجم على أن يكون المدافع الأول.

وللإنصاف فإن هذه الفكرة وإن لم تكف الهولنديين بالتتويج باللقب، لكنها كانت الشرارة الأولى نحو التفكير بتغيير طرق اللعب التقليدية.

الدفاع أولاً

رغم أن مدرسة الدفاع الايطالية انتشرت منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن المنتخب الايطالي لم يستفد منها لتحقيق لقب المونديال حتى عام 1982، فالمنتخب الأزرق دخل المونديال وقتها وهو يمر بظروف غير طبيعية تتعلق بفضائح لاحقت أبرز نجومه، إلا أن المدرب اينزو بيرزوت كان قد رسخ في أذهان لاعبيه طريقة لعب تقلّص الفوارق الفنية مع المنافسين، وتمنح فريقه أفضلية وإن كانت معنوية.

فالطريقة التي انتهجها الأزوري كانت تعتمد على خط دفاع متماسك بقيادة جنتيلي وشيريا، ومن الأمام خط وسط قوي بدنياً بوجود المقاتل برونو كونتي، معتمدة على مشاكسات باولو روسي الهجومية التي مكنت المنتخب في النهاية من إقصاء أفضل جيل بتاريخ الكرة البرازيلية، ومن التفوق على ألمانيا المتألقة، والظفر باللقب الثالث في تاريخها.

تيكي تاكا اللقب

دخلت اسبانيا غمار مونديال عام 2010 وهي تملك لقب أوروبا، لكنها في الوقت ذاته لم تكن المرشّحة الأولى، لكن رفاق المتألق أندريس انييستا حملوا تجربة ناديهم الكاتالوني إلى منتخب بلادهم بالاعتماد على نهج قائم على طريقة اللعب الشهيرة المسماة بالتيكي تاكا التي تقوم على تناقل الكرة عبر تمريرات قصيرة، ومشاركة جميع اللاعبين في بناء الهجمات، مع وجود خصائص مشابهة للكرة الشاملة من حيث الانتشار والتمركز.

ويمكن القول بأن التيكي تاكا أضحت نهجاً وفلسفة الكرة الحديثة التي يحلم كل فريق أو ناد باللعب وفقها كونها الأمتع والأصعب في آن معاً.

غيض من فيض

رغم ذكرنا التجارب الثلاث الماضية، إلا أن فترات قديمة من المونديال، ورغم فقر كرة القدم حينها، شهدت محاولات لإبداع أفكار جديدة، فمنتخب المجر في مونديال 1954، وبقيادة المدرب غوستاف سيبس، أوجد مركز المهاجم الوهمي، أو صانع الألعاب، مع اللعب بطريقة هجومية فريدة، وتمكن من الذهاب بعيداً، لكن الضعف الدفاعي كان أسوأ عيوب طريقته.

كما أن منتخب البرازيل في مونديال 1982 ابتدع مذهب اللعب الجميل القائم على المهارات دون مهام تكتيكية محددة، لكنه فشل في النهاية في خطف ثمار هذه الخطة، وخرج خالي الوفاض.

على العموم ما يهم عشاق الكرة في المونديال الروسي أن يشهد متعة وإثارة بغض النظر عن الطريقة والأسلوب، لأن تعقيدات بعض المدربين أفسدت جمالية اللعبة.

مؤيد البش