اقتصادصحيفة البعث

نقص الدعم المادي وغلبة المشاريع العائلية أبرز التحديات.. مسعى لجسر الثقة بين “الجهات البحثية” و”القطاعات الإنتاجية”

دفع تعويل الهيئة العليا للبحث العلمي على الجهات العلمية البحثية بأن تشكّل منصة داعمة للنهوض بالقطاعات الإنتاجية والخدمية -خاصة بعد أن طال الأخيرة ما طالها من دمار وأضرار- إلى إعدادها لمشروع “آليات الترابط بين الجهات العلمية والبحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية”، وذلك للاستفادة من مخرجات البحث العلمي ومن الباحثين في تطوير القطاعات الإنتاجية والخدمية وحلّ مشكلاتها، وتحسين جودة وتنافسية منتجاتها وخدماتها، إضافة إلى تسهيل تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والتقانة والابتكار التي أنجزتها الهيئة بالتعاون مع مختلف الجهات العامة والخاصة.

خطة منهجية
وعدّ مدير عام الهيئة الدكتور حسين صالح أن وجود قنوات تواصل وآليات ترابط بين الجهات العلمية البحثية والقطاعات الإنتاجية يكتسب أهمية خاصة في هذا التوقيت بالذات، وأهمية مضاعفة في مرحلة إعادة الإعمار المرتقبة، مبيناً أن هذا المشروع يتضمن منهجية عملية وخطة فعلية لإيجاد آليات ترابط وتعاون فعّالة، عملية ومثمرة، ويتمّ تحقيق ذلك حالياً على قطاعي الصناعة والزراعة نظراً لأهميتهما البالغة في الاقتصاد السوري، مؤكداً أن الهيئة ستقوم بالتعاون مع الجهات المعنية كافة، وبالتزامن مع مراحل تنفيذ السياسة الوطنية للعلوم والابتكار، بتوفير السبل اللازمة لتعميم وتطوير هذا الأسلوب العملي في تنفيذ آليات الترابط على القطاعات الحكومية المشمولة بهذه السياسة.

أشكال
وأوضح صالح أن أشكال الترابط بين الجهات العلمية البحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية تتنوّع حسب نوع الجهة العلمية البحثية، وحسب نوع وطبيعة وحجم القطاع الإنتاجي أو الخدمي (كبير– متوسط– صغير)، فيمكن أن يكون هذا الترابط على شكل استشارات فنية وعلمية في الاختصاصات كافة، أو دراسات وبحوث علمية تعاقدية ومدعومة، أو تطوير نماذج أولية ونصف صناعية، كما أن هناك أشكالاً أخرى لهذا الترابط على شكل برامج صناعية شريكة، وحاضنات وأقطاب تقنية، واتفاقيات التراخيص وحقوق الملكية الفكرية، وقد يكون على شكل تسويق التقانة ونقلها من الجهات العلمية البحثية إلى القطاعات الإنتاجية والخدمية وبالعكس، إلى جانب التدريب على أدوات ومنهجيات البحث والتطوير، وتطوير المناهج الدراسية والتدريبية، وإتاحة الفرص للطلاب للتدريب العملي في القطاعات الإنتاجية والخدمية، ومشاركة القطاعات الإنتاجية والخدمية في تعريف مشاريع البحث العلمي والتطوير التقاني.
نماذج ناجحة
واستعرض تقرير الهيئة حول عملية الترابط عدداً من النماذج الناجحة لآليات هذا الترابط “الجمعية العلمية الملكية في الأردن– جمعية شيانغ للعلوم والتكنولوجيا في تايوان- مدينة تسوكوبا في اليابان”، ليخلص إلى الاستنتاج بأن آليات الترابط ليست جامدة وفق نموذج أو شكل معيّن، بل يمكن أن تكون وفق طرائق متعددة تناسب الحاجات والبيئة القانونية والإدارية والعلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية لكل بلد، وذلك لتؤدي غرضها الأساسي الذي وُجدت من أجله، وقد يكون هناك حاجة لمؤسسات وسيطة، فكل جانب من الجهات العلمية البحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية له أهداف خاصة، ومنتجات مختلفة، وطرائق عمل وتفكير متباينة، وهنا قد تستدعي الحاجة وجود وسيط ينسق بينهما. وبما أن سورية ما زالت تخطو خطواتها الأولى باتجاه إقامة آليات ترابط عملية وفعّالة، يمكن دراسة التجارب الناجحة في البلدان الأخرى والاستفادة من النماذج –إن وجدت– والتي تلائم الحالة السورية، أو إنشاء نموذج جديد يناسب الواقع السوري.
ضعف
وعزا التقرير ضعف الترابط جزئياً إلى الاقتصاد المركزي الذي ساد البلاد فترة طويلة من الزمن، معتبراً التاريخ الطويل من ضعف الثقة أو فقدانها بين الطرفين العامل الرئيسي في غياب آليات الترابط الفعّالة، وهو أحد الأسباب الأساسية في إعاقة إنشائها وضعف الرغبة في ذلك، مشيراً إلى أن التحديات التي تواجه تمكين آليات الترابط بين الجهات البحثية العلمية والقطاعات الإنتاجية والخدمية كثيرة ومتنوعة، منها تحديات بشرية وأخرى مالية وإدارية وقانونية وثقافية، ويتصدرها نقص الدعم المادي لبناء الثقة وتفعيل التعاون وتطويره، وغلبة المشاريع العائلية والمتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر في الاقتصاد الوطني والتي لا تمتلك الموارد المادية الكافية للإنفاق على البحث العلمي، إضافة إلى الترهل الأكاديمي والبحثي بسبب ضعف الحوافز المادية والمعنوية، وندرة المؤسسات الوسيطة الفاعلة، وتفضيل الصناعيين للتعامل مع الفنيين بدلاً من الباحثين، فهم يرون أن الفنيين يمتلكون القدرة على حلّ المشكلات الصناعية بتكلفة أقل، إلى جانب الصفة البيروقراطية التي تحكم العمل في الجهات العلمية البحثية والقطاعات الإنتاجية والخدمية في القطاع العام، ورجحان الصفة التدريسية والنظرية على الجامعات الحكومية مقارنة بالعمل البحثي التطبيقي، أما الجامعات الخاصة فما زالت تغلب عليها الصفة التدريسية البحتة. يُضاف إلى ذلك أيضاً شروط السرية الصناعية المتعارضة مع الطبيعة الأكاديمية المنفتحة وخاصة في أعمال النشر، وضعف مهارات تنظيم وإدارة المشاريع البحثية لدى الكادر الأكاديمي، وكذلك ضعف الحوافز الذي دفع الباحثين إلى تفضيل الترقية الوظيفية والإدارية والتدريس على العمل البحثي، مما يفقدهم المهارة والخبرة والتواصل مع تطبيقات التقنيات الحديثة والمتطورة، ناهيكم عن غياب التشريعات الفعّالة الناظمة لحماية حقوق الملكية الفكرية، وضعف الجانب الأخلاقي الذي يحكم عملية الترابط.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com