اقتصادصحيفة البعث

مغبة التركيز على القشور..!“

 

وجدت الأنظمة والقوانين لتنظيم العمل، لكننا وللأسف دائماً منفعلون بها وليس فاعلين فيها” مقولة تلخص حقيقة ما يعتري العمل الإداري في أغلب دوائرنا الحكومية، ساقها لنا ذات مرة أحد مسؤولي الصف الأول..!
وما رماه هذا المسؤول من مغزى مفاده أنه في حال حدوث حالة خلل معينة يتم التعامل معها برد فعل ينسحب على الجميع، كأن يطلب مدير ما أحد موظفيه لغرض معين، وبالمصادفة يكتشف المدير أن الموظف تأخر عن عمله لسبب ما قد يكون مبرراً وخارج استطاعته، عندها يصدر المدير قرارات وتعاميم تؤكد على كافة العاملين عدم التأخر عن الدوام ومحاسبة ومعاقبة كافة من لا يلتزم بتوجيهاته.. إلخ وبذلك يذهب الصالح بالطالح، كونه أكد على كافة الموظفين وليس المقصرين..!
لعل مرد الترهل الذي يصيب أغلب مؤسساتنا الحكومية هو التركيز على القشور، بعيداً عن القضايا الجوهرية ولاسيما تلك المتعلقة بالأمور المالية وتشعباتها على سبيل المثال لا الحصر، فتركيز اهتمام بعض المديرين على الشكليات –مع عدم الاستهانة بها- وإصدارهم قرارات وتعاميم تتعلق بضرورة الالتزام بساعات الدوام الرسمي والحفاظ على النظافة والانضباط ما شابه، لا يعدو – أغلب الظن – إلا تغطية على تجاوزات من العيار الثقيل، إذ غالباً ما يكون لمثل هذه القرارات ردّة فعل عكسية وتشكل إساءة للآخرين المنضبطين، وأن المبالغة في التركيز على مثل هذه القرارات يعني عدم وجود متابعة حقيقية للإدارات وسير عملها، والأدهى من ذلك هو عدم تفهم روح القانون، بدليل أن هذا المدير غالباً ما يتجاهل مواطن الخلل الرئيسة، دون مراعاة تأثيرها على صلب عمل مؤسسته.
ولدى مقاربة المشهد الإداري الحكومي مع نظيره الخاص نجد تفوق الأخير على الأول لجهة إدارة شؤونه سواء الإدارية منها أم الإنتاجية، وذلك بسبب ما يتمتع به من حرية ومرونة أكثر من العام، فمدير أية مؤسسة عامة غالباً ما يجد صعوبة بنقل أو طرد من لا يتقيد بالنظام كونه يتقاضى دخلاً قليلاً، إضافة إلى أن العامل العاطفي تجعله يتغاضى عن تقصيره، في حين أن القطاع الخاص حاسم وليس لديه استعداد لتحمل أي تقصير ويسرح المقصر دون أن يسأل عن مصيره، على عكس العام الذي يحاول أن يعالج الأمور دون تسريح بهدف حل مشكلة البطالة، ومرد ذلك يعود إلى أن الخاص يُغلِّب مصلحة العمل على أية مصلحة شخصية، وقد نسج قوانينه على هذا الأساس، وبالتالي نجد ضرورة أن يكون هناك صيغة توافقية يعمل بموجبها قطاعنا العام للخروج بمنتجات وخدمات ذات جودة عالية، تتمثل بالمزج بين العمل بعقلية نظيره الخاص الإدارية، مع مراعاة الجانب الاجتماعي دون التهاون بتطبيق القوانين ذات العلاقة بالقضايا الجوهرية حتى لو كانت على حساب الجانب الاجتماعي إن اقتضى الأمر.
hasanla@yahoo.com