الصفحة الاولىصحيفة البعث

تعديل وزاري يعمّق الأزمة السياسية في تونس

 

تونس-البعث- خاص-محمد بوعود:

في خطوة أقرب إلى التحدي، أعلن رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد في ساعة متأخّرة من مساء الاثنين عن تعديل وزاري واسع في تشكيلة حكومته، منهياً بذلك أكثر من سنتين من الحكم المشترك بينه وبين رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي، ومنهياً أيضاً علاقته بحزبه “نداء تونس”، الذي كلّفه برئاسة الحكومة في شهر آب 2016، والفائز بآخر انتخابات رئاسية وتشريعية جرت في كانون الأول 2014، لكنه بعد تعديل الشاهد حكومته التحق بصفوف المعارضة، ولم يعد رسمياً صاحب حكومة ولا حتى شريكاً فيها، بحكم أنه لم يتمّ التشاور معه، ولم يحظ بأي وزير جديد في الحكومة، وخسر أربع حقائب.
وفي ردّ فعل سريع وغاضب، مباشرة بعد أقل من نصف ساعة من إعلان التعديل، صرّحت السيدة سعيدة قرّاش، الناطقة الرسمية باسم رئيس الجمهورية، أن الرئيس الباجي قائد السبسي غير موافق على هذا التعديل، ويرفضه، ولم تتمّ مشاورته فيه، ولا أخذ رأيه، وأن هناك خطوات سيتخذها في الأيام القادمة، سيعلن عنها في وقتها، فيما صرّح المستشار لدى رئيس الجمهورية المكلّف بالشؤون السياسية نور الدين بن تيشة أن رئيس الحكومة قد تصرّف بمفرده، وأنه قد أرسل لرئيس الجمهورية قائمة وأعلن عن أخرى مغايرة، وأضاف: إن هذه الحكومة تُعتبر رسمياً حكومة حركة النهضة.
في خضم هذا التشابك، بدا رئيس الحكومة، وهو يعلن عن أسماء وزرائه الجُدد، يتحدّث بلغة من قرّر مواصلة تحدّي رئيس الجمهورية، والذهاب به إلى الآخر، حتى إنه قال في بداية كلمته التلفازية الموجزة: “قرّرتُ تعيين”، ولم يقل، كما جرت العادة في حكومة تشاركية، “أقترح تعيين”، وهو ما اعتبر خروجاً رسمياً من رئيس الحكومة على كل الأعراف التي هيمنت على حكومات التوافقات التي سيّرت البلاد خلال الثماني سنوات الماضية، بنظام سياسي برلماني معدّل، يعطي لرئيس الحكومة صلاحيات واسعة، لكنها مقيّدة بالتشاور مع رئيس الجمهورية، ويحدّ من صلاحيات رئيس الجمهورية، ويحصرها فقط في العلاقات الخارجية والقيادة العامة للجيش والقوات المسلحة، ورئاسة المجلس الأعلى للأمن القومي، كما تُلحق برئاسة الجمهورية بعض المؤسسات كمعهد الدراسات الاستراتيجية، ودار الإفتاء، وبعض الصلاحيات الأخرى المحدودة.
لكن المثير أكثر للإشكال في الأيام القادمة، هو كيفية تمرير رئيس الحكومة للتشكيلة الحكومية الجديدة، وهل سيذهب بها إلى مجلس نواب الشعب، للحصول على التزكية، أم سيباشر الوزراء مهاهم دون تزكية النواب؟، وإذا باشروا مهامهم كيف سيباشرونها دون أداء القسم الدستوري أمام رئيس الجمهورية، وهو يرفض هذا التعديل، ولا يعترف به، بل يعتبره انقلاباً عليه؟!. وهي كلها أسئلة تزيد في كثافة الغموض الذي يخيّم على المشهد السياسي في تونس، والذي يزداد بمرور الساعات، خاصة وأن الأزمة الحكومية تتفرّع إلى أزمات أخرى وتفاصيل في داخلها، كانعدام التواصل بين وزير الدفاع الوطني، عبد الكريم الزبيدي، ورئيس الحكومة يوسف الشاهد، حيث قام وزير الدفاع بزيارة خاطفة إلى قصر قرطاج، وقابل رئيس الجمهورية طالباً منه إعفاءه من مهامه، وإنهاء مسؤوليته على رأس أهم وزارة في البلاد، والتي يتبع فيها الوزير إلى التشكيلة الحكومية، في حين تتبع وزارته وكل ملاكاتها لرئاسة الجمهورية، قيادة وتصرّفاً.
وما يمكن ملاحظته في التعديل، حتى من الناحية الشكلية، أنه مسّ وزارات خدمية بالأساس، ولم يتطرّق إلى وزارات السيادة، كالخارجية والدفاع والداخلية، باستثناء وزارة العدل، التي أثار تغيير وزيرها السيد غازي الجريبي حيرة لدى المراقبين، خاصة وأنه يُعتبر الصديق المقرّب من الشاهد، وساعده الأيمن خلال كل الأزمات الماضية.
كما عرفت الحكومة الجديدة أيضاً، ولأول مرة منذ سنة 1969، دخول وزير من الديانة اليهودية، هو رجل الأعمال روني الطرابلسي، الابن البكر لرئيس الطائفة اليهودية بتونس بيريز الطرابلسي، والحامل لجنسية مزدوجة تونسية-فرنسية، وصاحب وكالات أسفار معروفة، وقد يكون الشاهد عوّل عليه في حقيبة السياحة من أجل تنشيط هذا القطاع، الذي يشهد انتكاسة في كل مرة بسبب العمليات الإرهابية.
من جانب آخر عاد إلى التشكيلة الحكومية، ولأول مرة منذ ثماني سنوات، كمال مرجان، الذي كلّفه الشاهد بحقيبة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري، في تحدّ ربما لأصوات المطالبين بإقصاء مسؤولي النظام السابق ومحاكمتهم، وكذلك في تحدّ واضح لرئيس الدولة وابنه، اللذين يعوّلان على “ماكينة” الدستوريين والتجمعيين السابقين، ولإثبات أن الشاهد نفسه خرّيج هذه المدرسة وله فيها أنصار ومؤيّدون.
أما ما يلفت الانتباه فعلاً، فهو حصول حركة النهضة على مقعدين إضافيين، رغم أنها خسرت مقعداً في وزارة الصحة، وعوّضته بآخر في الشباب والرياضة، وآخر في التشغيل وكتابتي دولة، وهو ما يسمح بشكل رسمي بالقول: إن حركة النهضة أصبحت هي الحزب الحاكم، بعد استنزاف التعديل لأغلب وزراء نداء تونس والمحسوبين على رئيس الجمهورية، وتعويضهم بوزراء من النهضة ومن القريبين منها، ومن حزبين حليفين لها هما حزب المبادرة لكمال مرجان وحزب مشروع تونس لمحسن مرزوق.
وبذلك تكتمل صورة “الاستعصاء السياسي” الذي تعيشه البلاد، منذ أن رفض رئيس الحكومة أمر إقالته من رئيس الجمهورية، وواصل تسيير شؤون الحكم منفرداً، بلا حزب حاكم، وبقطيعة تامة مع القيادة التي كلّفته تولي الحكومة، وفي خلاف بدا خفياً، وأصبح مُعلناً مع رئيس الجمهورية.
وهذه الوضعية الغريبة دستورياً وسياسياً، مكّنت حركة النهضة من الإفلات من موقع الأقلية، والخروج من جُبّة الباجي قائد السبسي، والزحف ببطء إلى غاية الوصول إلى المرتبة الأولى في صفّ الحُكم، فهل يستطيع الشاهد مواصلة الهروب إلى الأمام والمضي قدماً في حكم البلاد لوحده، دون تغطية من رئاسة الجمهورية؟، وهل تقدر النهضة على التصدي وحدها لصدارة المشهد بعد أن عملت طويلاً في ظلّ متصدّرين آخرين؟، وكيف سيتصرّف رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي أمام هذه الحالة “المتمرّدة”، أم أنه قد فقد كل أوراقه؟!.
ذاك ما ستكشف عنه الأيام القادمة، في انتظار مزيد من مراكمة الاستعصاء الحكومي، أو الحسم الرئاسي.