تحقيقاتصحيفة البعث

“طفل يقرأ مجتمع يبني” معرض الكتاب للطفل.. آفاق معرفية وثقافية أكثر استقطاباً.. وملاحظات تؤسس لمشاركات واسعة

لم نعتد في مجتمعنا على تلك الفعاليات التي تتوجه إلى الأطفال بشكل مباشر ، فنحن قليلو الاهتمام بمسائل ابتكار الاحتفاليات العلمية والأدبية والفكرية التي تنمي شخصية الطفل واتجاهاته، وتشكّل له بصمة جديدة في حياته، ولعل أكثر الهواجس التي تؤرقنا في هذه الفترة إعادة الطفل السوري إلى نهج القراءة والمطالعة، وفتح الآفاق أمامه من أجل المزيد من المعرفة التي تكسبه خبرات علمية وثقافية جديدة تؤثر إيجابياً على مستقبله، خاصة أن معظم النشاطات والرحلات المدرسية لم تعد موجودة، أو ممكنة حالياً، معرض الكتاب للطفل كسر الروتين، واستطاع أن يستقطب عدداً كبيراً من الأطفال وأهاليهم، رغم أنه يعد تجربة جديدة لوزارة الثقافة في هذا المجال، ويقام للمرة الأولى في مكتبة الأسد بإمكانيات متواضعة وبسيطة، فقد كشف معظم الزوار فيه من الأطفال والأهالي والمعلمين أهمية وجود هذا النوع من المعارض لما تقدمه من كتب مختلفة ومتنوعة تلبي جميع الأذواق والرغبات، وتتناسب مع جميع المستويات والأعمار، نجاح هذه الفعالية لم يخف سوء التنظيم، وبعض الأخطاء التي يمكن أن تتلاشى خلال المعارض المقبلة، وتلافي جميع التدابير التي أثرت سلباً على المشاركة.
احتفالية مدرسية
معظم الأطفال اتجهوا نحو المعرض برفقة المعلمين والمشرفين على شكل مجموعات من أعمار مختلفة، فالكتب المتوفرة في المعرض كانت تراعي أعمارهم بدءاً من سنتين وحتى ثماني عشرة سنة، وكانت للمشرفين والمدرّسين مهمة لفت انتباه طلابهم إلى أنواع الكتب الموجودة، وقيمتها العلمية، المشرفة منى فرحان لاحظت اهتمام الأطفال بالكتب، ورغبتهم في شرائها، حيث قام معظمهم باقتناء أنواع اختاروها بأنفسهم، ما يؤكد قيمة هذه الفعالية لتنمية رغبتهم بالقراءة والمطالعة، وتشجيع ميولهم العلمية والأدبية، المديرة هلون فرزلي لاحظت إعجاب الأطفال وتفاعلهم مع جميع النشاطات التي قدمت خلال المعرض، إلا أنها اعترضت على بعض الأفلام الأجنبية التي حملت جرعة من العنف، وبيّنت أنه لا يمكن أن نعرّض أطفالاً لهذا النوع من الأفلام، خاصة في معرض كتاب الطفل، وتمنت أن يراعى هذا الأمر خلال السنوات القادمة، وبالنسبة للأطفال دون سن العاشرة قالت المعلمة منى اليازجي: إنهم أعجبوا بالمسابقات الفنية والموسيقية التي أقيمت لهم، بالإضافة إلى الكتب القصصية المصورة، والكتب التي تساهم في سهولة تعلّم القراءة والكتابة، وأضافت اليازجي: هذا المعرض قدم الفائدة للمعلمين أيضاً عبر الوسائل التعليمية الموجودة في المعرض، والطرق المختلفة لسهولة عملية التعلّم عند الأطفال، واقتناء بعض هذه الوسائل لتساعدهم في العملية التعليمية.

بناء الثقة
الأطفال الذين شاركوا في فعاليات المعرض وجدوا أنه حقق لهم المتعة والسعادة، واستطاعوا أن يتعرفوا على أنواع مختلفة من الكتب، ولم تكن زيارة المعرض بمثابة رحلة تعليمية وترفيهية فقط، وإنما فتحت آفاقاً جديدة لمعرفة جديد وأهم الكتب المختصة بالأطفال، وبطرق التعلّم ككتب اللغة الانكليزية، والفرنسية، وكتب العلوم، والجغرافيا، ومعظم الأطفال المشاركين في المعرض كانت ردود أفعالهم إيجابية، فهو متنفس لهم للمشاركة بالمسابقات الفنية والعلمية والأدبية التي أقيمت، وأكسبتهم خبرات جديدة في طريقة اختيار أنواع الكتب التي يرغبون في اقتنائها، ومعظمهم عادوا مع آبائهم لشراء مجموعة من الكتب التي اختاروها، وهذا يعتبر مؤشراً جيداً لتشجيع الأجيال على متابعة المطالعة، والاهتمام بكل جديد فيها، وخاصة للأطفال الذين تجاوزوا سن (12)، والذين خُصصت لهم كتب أدبية لشعراء عرب كجبران خليل جبران، والشاعر أدونيس، وغيرهما من الأدباء والكتاب، الطفل أيمن درويش اعتبر أن شراء الكتب من المعرض بأسعار مخفضة يسمح له بأخذ كمية كبيرة للاحتفاظ بها في مكتبة المنزل، وهي بالوقت نفسه ذكرى جميلة لهذه الزيارة والمشاركة، أما الطفلة نيرمين فبيّنت أنها لم تكن تستطيع اختيار ما تريد، إلا أنها استطاعت أن تتعلّم ذلك من أصدقائها الذين ساعدوها في عملية الاختيار، وهي ترى ضرورة قراءة كتب اختارتها بنفسها، أغلب المشاركين كانت سعادتهم باختيار ما يحبونه من الكتب، وتنمية شعورهم بمعرفة اتجاهاتهم وميولهم أمام أنواع مختلفة وعديدة تعرض أمامهم، إذ قدمت لهم هذه المشاركة فرصة كبيرة لاتخاذ قرارات الشراء والثقة باقتناء ما يرغبون به ويمثّل شخصياتهم.

وجود فني
من الملفت للنظر تواجد الفنانين في فعالية معرض كتاب الطفل، وتفاعلهم المباشر مع الأطفال، ولقاءاتهم مع الأهالي كالفنانة كندا حنا، ودريد لحام، وغيرهما، حيث قدموا قيمة فنية وجمالية في صالة السينما بأفلام محلية للأطفال، وبعض الأفلام العالمية، بالإضافة إلى فعاليات أخرى كالمحاضرات التي شاركت بها الدكتورة ملك أبيض عن الشاعر الكبير سليمان العيسى، والحفلات الموسيقية التي شارك فيها معهد صلحي الوادي، وكان فيها عدد كبير من الطلبة، مع وجود أنشطة أخرى، منها ورشات الرسم والتلوين التي أضافت جواً من المتعة والتسلية للزوار، وسمحت باختيار الفعالية التي تتناسب مع اهتماماتهم، هذا المعرض تحول إلى متنفس حقيقي للأطفال، المشرف على المعرض عصام عيسالي أوضح دور الفعاليات الفنية في استقطاب الزوار وإثارة اهتمامهم، حيث عملت جميع مديريات الثقافة على المشاركة في المعرض، والتنسيق فيما بينها في عملية ترتيب وتنظيم النشاطات المختلفة، ووجود لجنة تقييمية لنوع الكتب المناسبة لأعمار الأطفال ضمن شروط محددة، والعمل مع الهيئة العامة للكتاب لوضع حسومات وصلت حتى 60% مراعاة للظروف الاقتصادية الحالية للأهالي.

سلبيات المعرض
لا يمكن أن ننكر الجهد المبذول في إقامة معرض كتاب الطفل للمرة الأولى في سورية، والذي يعتبر جيداً بالنسبة لحداثته، ولكن هناك الكثير من الثغرات التي لم يتم الانتباه لها أثناء تنظيمه، والتي أشار إليها المشاركون من دور النشر المختلفة، حيث لم يوفق القائمون على المعرض باختيار التوقيت المناسب الذي يسمح بمشاركة عدد أكبر من الدول رغم رغبتهم الكبيرة، بسبب تعارض توقيته مع مشاركاتهم في معارض أخرى كمعرض الشارقة، والجزائر، وأربيل، ما أفقد المعرض ميزة التنوع والاختلاف، ولم يساعد التوقيت الشتوي واختيار شهر تشرين الأول على تجنب سوء الأحوال الجوية وتقلبات الطقس، وهطول العاصفة ضمن أيام المعرض سبب توقف توافد الزوار لمدة ثلاثة أيام متتالية، وقد تزامن وقت المعرض مع امتحانات الطلبة، ويرى بعض دور النشر المشاركة أن اختيار نهاية شهر أيلول سيكون مناسباً للجميع، كما اقترح البعض تقسيم اليوم إلى فترة صباحية ومسائية من أجل الحصول على فترة راحة للعارضين، واستعادة نشاطهم من جديد.

أخيراً
“طفل يقرأ مجتمع يبني”، عنوان ملفت توفّق في اختياره المسؤولون عن المعرض الذي يعتبر خطوة نحو تعزيز ثقافة المطالعة، واقتناء الكتب، وضرورة هذه الفعالية في زمن تحول الأنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى مصدر وحيد وهام لأبنائنا وطلابنا، ولابد أن نذكر التجربة العالمية لبعض الدول المتقدمة كأمريكا، وفرنسا، وانكلترا، وبالرغم من توفر خدمة الأنترنت وسرعته لم يمنع مجتمعاتهم من القراءة، بل على العكس تماماً ارتفع عدد القراء، وزادت مبيعات الكتب سنوياً إلى 600 ألف نسخة تقريباً، هنا يجب أن نشير أيضاً إلى أهمية الكتاب السوري على مستوى العالم، والدول العربية، لما يحمله من قيمة ثقافية، وفكرية، وعلمية، ويعتبر الكتاب السوري منتجاً مرغوباً به في جميع المعارض التي تقام في أنحاء العالم.

ميادة حسن