رأيصحيفة البعث

دمشق.. دوماً إلى الأمام

 

 

بالنظر إلى حجم الهجمة الشرسة التي تعرّضت لها سورية، والاستهداف منقطع النظير، بهدف تقسيمها وإعادتها قروناً إلى الوراء. لم يكن أشد المتفائلين من الأصدقاء قبل الأعداء يتوقّع أن تعود كما كانت قبل 2011 أو على الأقل أن تحافظ على نسيجها الاجتماعي وجيشها العقائدي ووحدتها الوطنية والجغرافية.. راودت الأعداء وبعض من كانوا في خانة الأصدقاء أحلام بأن يقتطعوا جزءاً من أراضيها ويصلّوا في أهم مساجدها، وآخرون كان هدفهم تغيير “سلوكها” ومواقفها من القضايا القومية والعروبية، وفي سبيل ذلك أزهقوا أرواح الآلاف وشرّدوا الملايين داخل الحدود وخارجها، وصرفوا المليارات من أموال البترودولار العفن، ودمّروا البنى، لكنهم لم يقرؤوا التاريخ الذي يقول: إن سورية ليست كغيرها من البلاد الملفوفة تحت العباءة الأمريكية، وأن دمشق أقدم عاصمة مأهولة في التاريخ، وأن هذه الدولة صمدت في مواجهة أعتى الحملات، ولن تكون لقمة سائغة، وأن هذا الشعب قدّم ولايزال إلى العالم العلماء والأطباء والمهندسين وأساتذة الجامعات والمدرسين.. إلخ ولم يصدّر أو يفرّخ يوماً حاملي الفكر الوهابي الحجري الإلغائي. وهذا هو سر الصمود الأول، وهنا يكمن “مربض الفرس”.
قليلون في الخارج ممن قرؤوا التاريخ وعرفوا هذا الشعب حق معرفة راهنوا على انتصار سورية ووقفوا إلى جانبها منذ البداية وشرحوا أبعاد المؤامرة التي لا تستهدف سورية فحسب بل والمنطقة برمتها، واتسعت دائرة هؤلاء لتشمل منظمات حقوقية وتيارات سياسية، الأمر الذي جعل الأحرار حول العالم ينفذون مئات الوقفات التضامنية مع سورية، وجيشها وشعبها وقيادتها، والتي أرست اليوم قاعدة لتشكيل رأي عام عالمي يوازي في تأثيره ويزيد على من انساق وراء الكذب والتضليل والتأجير خاصة بعد أن سالت الدماء في شوارع باريس ولندن وبروكسل بسكاكين وأسلحة “الذئاب المنفردة”، التي أفرزتها داعش والنصرة والقاعدة وغيرها من التنظيمات التكفيرية، التي تريد إرجاع العالم قروناً إلى الوراء وبعكس حركة التاريخ.
نعم بدأت الحياة تعود إلى طبيعتها في سورية على مختلف الصعد، بعد أن طهّر بواسل جيشها معظم أراضيها من رجس الإرهاب، وبدأ السوريون كل من موقعه يؤدي الدور المنوط به، والذي انعكس على السياسة والاقتصاد والوضع الاجتماعي، وبات واقعاً على الأرض، فالسفارات بدأت تعود لفتح أبوابها بكثافة، والوفود البرلمانية والمنظمات الأهلية وممثلو الأحزاب تتقاطر لزيارة سورية تمهيداً لإعادة العلاقات الرسمية للدول، ووسائل الإعلام تحجز دوراً لمقابلة القائد الأسد. فيما يحاول بعض من كانوا في موقع رأس حربة الحرب جس النبض للعودة إلى دمشق، وبدأت قاطرة إعادة إعمار ما دمره الإرهاب ترسم خطوطها العريضة من خلال إعادة الخدمات الأساسية للمناطق التي تم تحريرها، الأمر الذي جعل الآلاف ممن هجروا خارج حدود الوطن يعودون إلى مدنهم وقراهم، ومن لا يزال ممنوعاً من العودة، تحت ضغط الدول التي لا تزال تحاول الاستثمار في المعاناة الإنسانية واستخدام مخيمات اللجوء ورقة ضغط وابتزاز، يتحرّق شوقاً للحظة تنفس هواء الوطن.
هذا يعني أن كل الأوراق التي استخدمت لتحويل سورية إلى دولة فاشلة تساقطت واحدة تلو الأخرى، بل إن سورية ومن خلال تمسكها بمواقفها ورؤيتها لحل الأزمة فرضت أجندتها في المحافل الدولية، وكذلك شكل العالم الجديد ما بعد الحرب التي أرست مفاهيم جديدة للعلاقات الدولية. وبالتالي وفيما بدأت دمشق تستقبل الوفود والسفراء من عرب وأجانب، يسارع حكام الخليج بالمقابل للتطبيع وإرساء علاقات وطيدة مع الكيان الصهيوني. وهنا أصبحت الخيارات واضحة أمام شعبنا من المحيط إلى الخليج، فمن يريد التنازل عن الأرض المغتصبة وعن المقدسات ويعيش على هامش التاريخ خانعاً ذليلاً بلا كرامة فهو موضع ترحيب من أنظمة الخليج. ومن يريد عكس ذلك فأبواب دمشق مفتوحة، طالما أنها عبر الزمن لم تنظر سوى إلى الأمام وكانت وستبقى موئل كل حر أبي. ونعتقد أن السواد الأعظم من أبناء أمتنا يؤيد خيارات سورية، الدولة والشعب، ومن لا يزال متردداً ويقبع في المنطقة الرمادية لن يطول الوقت حتى يحسم خياراته بالاتجاه الصحيح.
وهنا يحضرنا قول الشاعر الخليجي الذي يقبع في السجن بسبب قصيدة مجّد فيها مواقف سورية، وفضح من استهدفها عندما قال: “والله لو عليت من فوق لفلاك ترجع تبوس الشام من طوع راسك”.. إنه يقين من عرف سورية عن عقل وحسن دراية.
عماد سالم