تحقيقاتصحيفة البعث

الامتحانات الجامعية “ابصم تنجح”.. والنتيجة “خريجون” بلا عمل!!

أكثر من نصف قرن وجامعاتنا تجتر الأسلوب الامتحاني نفسه الذي يعتمد على الحفظ البصم (من الجلد للجلد)، وتفريغ المعلومات على الورقة الامتحانية البيضاء، ومن ثم مسحها من الذاكرة، وكأنه لا أهمية لها في الحياة العملية مستقبلاً!.

هذا الأسلوب الامتحاني الهرِم أثّر بشكل واضح على مخرجات العملية التعليمية لدرجة أن الجامعات باتت كالمستودعات لتخزين العاطلين عن العمل، كلام يصف الواقع الحقيقي لامتحاناتنا الجامعية أشرنا إليه، وكتبنا عنه أكثر من مرة، ولكن يبدو أن لا حياة لمن تنادي!!.

أمام هذا الواقع الامتحاني، ترى ما هو الأسلوب أو الطريقة الامتحانية  الأنسب والأفضل في الكليات العلمية والنظرية التي يمكن من خلالها قياس السوية العلمية الحقيقية للطالب، وتحقيق المخرجات التي يحتاجها سوق العمل، وتساهم بالمحصلة بالارتقاء بالعملية التعليمية إلى مستويات لائقة؟!.

للطلبة رأيهم!

يرى محمد الأحمد أن الامتحانات التي تعتمد على حفظ المنهاج بشكل ببغائي ولى زمانها، ويؤكد على ضرورة الاهتمام بالجانب العملي أكثر من خلال تطبيق نسبة 75% من العلامات للعملي، و 25% للنظري، واعتماد أسلوب الأسئلة المؤتمتة، مع تثبيت نماذج أسئلة الامتحانات بشكل دائم، وهذا برأيه إن تم تطبيقه سيتحول إلى الاهتمام بالمحتوى العلمي، والإبداع فيه كمشاريع أو أفكار.

تؤيده في ذلك الطالبة مايا الياسين التي طالبت بالتوقف عن الأسلوب الامتحاني التقليدي الذي يجعل الطالب مجرد متلق للمعلومة بدلاً من أن يقوم بالبحث عنها في أكثر من مصدر.

أما راميا فترى أن أفضل أسلوب امتحاني هو ذاك الذي يعتمد على الكتاب المفتوح، أي عدم التقيد بالمقرر الواحد، لكنها تأسف لأن المناهج في جامعاتنا لا تناسب ذلك، لذلك طالبت بضرورة تحديثها بما يتناسب والمناهج الجديدة التي يتطلبها ويحتاجها سوق العمل.

أيضاً طالب محمد الشيخ بتحديث المناهج بما يتناسب مع التطور، وربط الجانب العملي بالواقع الذي يعيش فيه الطالب، (لا داعي لحل مشاكل الصين وتناسي مشاكلنا)، مطالباً بالابتعاد عن الروتين كالتركيز على الحضور أكثر من الفهم، وتمنى عند وضع أسئلة الامتحان وسلالم التصحيح أن تعتمد على فهم الطالب وليس النسخ واللصق كالمعتاد، وتوفير تقنيات تعليم فعالة يستطيع الطالب من خلالها إنتاج واستنتاج ما هو مفيد.

وبنظر خالد عبد الرحمن “إذا أردنا إصلاح مسيرة التعليم، بما فيها الامتحانات، فعلينا البدء من الحلقة الأولى بالمدارس”، وقال: المدرسة ليست سجناً، وإنما هي لتطوير الذات، وخلق إنسان قادر على مواكبة المسيرة العلمية، وحتى ننجح لابد من دورات لتأهيل القائمين على العملية التدريسية من أجل اللحاق بالركب العلمي المتقدم.

وسأل مازن إبراهيم: لماذا نخترع أساليب امتحانية جديدة وجامعات العالم فيها الكثير من التجارب الناجحة؟!.. وأعرب عن أمله بأن تكون قلوب بعض الأساتذة “حنونة” على الطالب، وتعطيه حقه، وتيسّر أمره، ولا تجعله يكره كتابه وجامعته، في إشارة منه إلى الكثير من الظلم الامتحاني الذي يتعرّض له الطلبة!.

بدوره طالب أحمد بضرورة السرعة بتعديل المناهج وجعلها تركز على المواد الاختصاصية، وزيادة حصص العملي بدلاً من ضياع الوقت على معلومات نظرية لا فائدة منها، بعضها بات عمره عشرات السنين!.

المضمون أهم من الشكل!

برأي لبانة الفيصل، تهتم وزارة التعليم العالي بتغيير الشكل الامتحاني وتنسى المضمون، مشيرة إلى أن العودة من جديد لاعتماد النظام الفصلي المعدل في الجامعات الذي يمنح الطالب ثلاث فرص امتحانية، جيدة، ولكن قصر فترة الامتحان يحتاج لمناهج عصرية بعيدة عن الحشو الزائد كما في الكثير من المناهج التي تعتمدها الجامعات!.. وأضافت: إن اعتماد أسلوب امتحاني جديد لا يمكن أن ينجح إلا مع مناهج جديدة، وهذا غير متوفر حالياً في جامعاتنا!.

ابصم تنجح!

واعتبر عدد من الطلبة أن المشكلة الأكبر في الامتحانات الجامعية تكمن في وجود العديد من المقررات التي يدرّسها أستاذان أو ثلاثة، حيث لكل منهم طريقته وأسئلته ومزاجه في التصحيح، وبرأيهم أن الطريقة الوحيدة للنجاح هي “ابصم تنجح”!.

وتساءل طلبة كلية الحقوق بجامعة دمشق: ما الفائدة من الدراسة طالما التصحيح لا يتم بنزاهة في الكلية، ويؤكدون أنهم جربوا كل الطرق في دراسة المنهاج، ولكن كان نصيب العديد منهم الرسوب بالرغم من أنهم يستحقون النجاح!.

رأي المعنيين بالأمر

الأستاذ الدكتور عصام الدالي، رئيس جامعة طرطوس، أكد أن العملية الامتحانية في الجامعات السورية بحاجة إلى مراقبة فعالة، ووضع ضوابط لها وعقوبات ومكافآت بأيدي عمداء الكليات، والمجالس الجامعية، وشدد على دراسة نسب النجاح، ومعالجة الخلل في تدني النسب التي قد تصل إلى 0%، وارتفاع النسب العالية التي قد تصل إلى 100%، وطالب بإشراك مدرّسين لتحسين الصورة، والنتائج الامتحانية، وسمعة الجامعة، وإن اضطر الأمر إلى إيقاف بعض الأساتذة عن التدريس لمن لا يرتدع من عدة تنبيهات أو توجيهات بهذا الخصوص، لأن الهدف الأول والأخير هم الطلبة، فهم مشعر نجاح الإدارات العلمية، والعامل الأساس لتقويم أدائها، بما يخدم العملية التعليمية، ولولا الطلبة ما كان هناك حجر ولا بشر في الجامعات، لا أساتذة، ولا موظفون، ولا مخابر، ولا مدرجات.

استنفار كامل!

ولفت الدكتور الدالي إلى أن موسم الامتحانات فيه شجون، ويحتاج للكثير من المستلزمات، حيث تستنفر الإدارات الجامعية خلال الفترة الامتحانية التي تمتد لنحو شهر في كل فصل دراسي، ويصل الأمر أحياناً إلى قطع الاتصالات الخلوية والأنترنت خلال فترات الامتحان، إضافة إلى تجهيز القاعات الامتحانية، وهذا هو المهم، ومن ثم تجهيز مستودعات ضخمة جداً لحفظ الأوراق الامتحانية لخمس سنوات بعد أن كانت لسبع سنوات رغم ضيق الأماكن الجامعية، وحاجة المؤسسات لأماكن إضافية ومخابر.

الطرق عديدة ولكن!

ورداً على سؤال بخصوص ضرورة اتباع طرق امتحانية جديدة في جامعاتنا، أشار الدكتور الدالي إلى أن الامتحانات تأخذ أشكالاً مختلفة وطرقاً عدة في كل بلد أو منظومة تعليمية، ولكل منها فلسفتها ووجهة نظرها في أساليبها الامتحانية، مشيراً إلى أن الطريقة الأمريكية مثلاً متعددة الخيارات، بحيث يعطى السؤال وبجانبه ثلاث أو أربع إجابات يختار الطالب بينها الجواب الصحيح، وتعد هذه الطريقة صعبة على الأستاذ لأنها تحتاج خبرة ومهارة في وضع الأسئلة متعددة الخيارات، وحساب الإجابات الصحيحة والخاطئة، وتوزيع الإجابات على A و Bو C وd بشكل شبه متساو، وتشمل كل نواحي المقرر التدريسي، وتتسم بالنزاهة، والشفافية، والبعد عن الشخصنة في التصحيح، ويتم تصحيحها آلياً بأجهزة خاصة، وتأتي صعوبتها برأيه من التكرار وتغيير الأسئلة في كل دورة أو عام دراسي، حيث يتم اختبار بين 60 إلى 100 سؤال جديد، وهذا يتطلب دقة وتركيزاً عاليين من الأستاذ في استنباط أسئلة جديدة بعد عشر سنوات من تدريس المقرر، ولها محاسنها من ناحية اختزال الغش الامتحاني لأدنى مراحله لوجود 100 سؤال، والإجابة بكلمة.

أما الطريقة الثانية التي أشار إليها الدكتور الدالي فهي الفرنسية التقليدية التي تتضمن وضع 3 إلى 10 أسئلة، وهي طريقة سهلة في وضع الأسئلة، لكنها صعبة أثناء التصحيح، حيث تتطلب قراءة متأنية من الأستاذ، ما يجعلها شبة مستحيلة في الكليات الكبيرة التي يكون بين أيدي الأستاذ فيها أكثر من 5 آلاف ورقة امتحانية خلال فترة قصيرة محدودة ليقوم بتصحيحها، وخاصة في كليات الحقوق، والتربية، والآداب والعلوم الإنسانية، ومن مساوئها أنه قد يكون للحظ جانب فيها، لأن بضعة أسئلة لن تكون كافية لتشمل جوانب المقرر كله، كما تلعب فيها المزاجية والفساد أحياناً دوراً في التصحيح، وتفتح الباب لمن تراوده نفسه بالغش عبر إدخال الملخصات، والمصغرات، والقصاصات.

وأشار رئيس جامعة طرطوس أيضاً إلى طريقة ثالثة تعتمد على المقابلة الشفهية، حيث يتم سحب ظرف يتضمن 3 أسئلة يحضرها الطالب لمدة دقائق، ويجمع أفكاره عنها ويناقشها مع اللجنة أو الأستاذ الممتحِن، وبيّن أن من حسنات هذه الطريقة أنها تسبر بدقة معلومات الطالب وتقيمه بشكل عال من حيث الإدراك والمحاكمة للمقرر، ولا تسمح بالغش، لأنها مقابلة تعتمد على الفهم والإدراك والمحاكمة من طالب أمام أستاذه الذي يستطيع سبر معلوماته بدقة عالية، وهذه الطريقة متبعة في معظم الدول، لكنها تعتمد على وجدان الممتحن، وقد يتدخل فيها الفساد، والعواطف الشخصية، أو حسابات أخرى!!.

ونوّه الدكتور الدالي إلى أن هناك جهوداً تبذل في وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية والخاصة من أجل تطوير الامتحانات لتكون قادرة على تقويم عمل أية جامعة أو مؤسسة تعليمية، وقياس محصول إنتاج المدرّس للطلبة، ومعرفة مقدار توصيل معلوماته إلى الطالب، ومدى قدرته على تبسيط هذه المعلومات بسلاسة ليتلقاها الطالب بسهولة ويسر.

غسان فطوم

ghassanfattoum@gmail.com