ثقافةصحيفة البعث

زهيرة بن عمار: المسرح العربي فقد خصوصيته


في فضائها المسرحي “السنديانة” التي توجت به مسيرتها الفنية استقبلتنا بفرح كبير، هذا المكان الذي حلمت بتأسيسه منذ زمن بعيد، وجالت بنا في قاعاته ومسرحه الذي ما زال قيد الإنجاز، يحدوها أمل كبير في أن يتحول هذا الفضاء إلى متنفس حقيقي لكل موهبة حقيقية.

سيدة المسرح

لُقِّبَت بألقاب كثيرة في تونس كراهبة المسرح وسيدة المسرح التونسي، ولمع اسمها في ثمانينيات القرن الماضي وهي التي بدأت مسيرتها في المسرح المدرسي وفرق الهواة، لتكون البداية الحقيقية لها مع فرقة “المسرح المثلث” في تونس، وليصبح اسمها فيما بعد جزءاً من الحركة المسرحية التونسية والعربية، عملت كممثلة مع أهم المخرجين كفاضل الجعايبي ومحمد إدريس كما قامت بتأسيس شركة للمسرح 2000 وفي المونودراما كتبت وأخرجت ومثلت، وهي اليوم سعيدة بتأسيس فضائها الثقافي مسرح السنديانة الذي يحتوي على ورشات رسم وموسيقا وأدب وقاعة عروض سينمائية ومسرحية تتسع  لـ 150 شخصاً.. وعن سبب تسميته بمسرح السنديانة بيَّنت أنه اسم أول مسرحية قامت بكتابتها وإخراجها وقد جابت بها العالم.

تونس وما مر عليها

وبيَّنت بن عمار أنها وبعد غياب دام لسنوات عن المسرح تحضِّر اليوم لعمل جديد تسلط الضوء من خلاله على الإرهاصات والتقلبات التي حدثت في تونس، لتتحدث عن وجعها كامرأة تونسية، عن أم شهيد تعبت من أجل ابنها الذي خرج ولم يعد، فتقرر الخروج بحثاً عنه فتحكي من خلال هذه الشخصية عن تونس وما مر عليها خلال السنوات الماضية المأساوية، منوهة إلى أنها ستطرح هذا الموضوع بطريقتها وما تربت عليه مسرحياً، موضحة أن كلَّ عمل تقدم عليه هو بمثابة تجربة جديدة ومخاض وخلق وولادة تعبّر من خلاله وعبر الشخصية التي تجسدها عن أوجاعها كإنسانة وامرأة لديها رأي ونظرة مستقبلية، فالمسرح بالنسبة لها وسيلة حقيقية للتعبير عن هذه الأوجاع التي يمكن أن تحكي عنها بشكل دقيق وحقيقي لأنها تؤمن بأنها كامرأة أكثر قدرة على التعبير بهذه الأوجاع.. من هنا اعتادت على أن تطرح في أعمالها قضايا المرأة.

يتم وعقم مسرحي

وكممثلة كتبت وأخرجت مسرحياتها وشاركت في العديد من المهرجانات المحلية والعربية والعالمية وهي دائمة الحضور ضمن لجان تحكيم أيام قرطاج المسرحية ترى أن المسرح صدى لما نعيشه ويعكس صورة الواقع بشكل مباشر، ويؤسفها أن ما حدث في العالم العربي أثر بشكل كبير على المبدع المسرحي وعلى المسرح بشكل عام الذي تأثر بدرجة كبيرة وأصبح هشاً وضعيفاً، منوهة إلى أن المسرح التونسي لديه مكانة وسمعة كبيرة نظراً للقضايا التي يطرحها وطريقة الطرح والجرأة التي يحملها في خطابه، حيث عبّر هذا المسرح عن الواقع السياسي وصراعاته بشكل دائم، ولكن ما قُدم في السنوات الأخيرة اتسم بالسطحية، وفيه فهم خاطئ لمعنى الحرية التي تُرْجِمَت بشكل مغلوط عبر عروض مسرحية بذيئة لم يخرج منها المشاهد بأية فائدة أو مضمون هام، وهي تشير إلى حالة يتم وعقم يعيشها المسرح في تونس على صعيد الفكر والشعارات التي يطرحها من خلال رصده للحدث السياسي دون تروٍّ وبعيداً عن الجانب الفني، الأمر الذي أثّر على المشهد الفرجوي الذي يقدمه العمل المسرحي الذي هو بالنسبة لها أمر مقدس، مؤكدة أنها ولو كانت مع تنحي الرقابة لأن الفن يجب أن يُقدَّم خارجها لأنه يحتاج للحرية والاختلاف، ولكنها في الوقت ذاته ترفض الرداءة والاستسهال، موضحة أنها وبحكم وجودها في بعض اللجان المسرحية صُدِمت من السوية المتواضعة ومن المباشرة التي تتمتع بها النصوص والعروض المسرحية، كما أنها تُصدَم يومياً من كمِّ الابتذال الموجود في العروض المقدمة التي تتميز بالسطحية والحشو والجرأة غير المبررة، وهذا ما جعلها تعتذر عن عدم الاستمرار في هذه اللجان من خلال تواجدها الدائم في لجان تحكيم في المهرجانات العربية وتبيّن أن المسرح العربي اليوم يعيش أزمات أثَّرت على مسيرته بعد أن فقد مسرحُ كل بلد خصوصياته التي كان يتمتع بها في السابق، حيث أُلغيت المواضيع الخاصة التي كانت تميز كلَّ مسرح، وباتت الأعمال متشابهة. 

أجيال متعاقبة

وتشير الفنانة زهيرة بن عمار إلى أن أسماء كبيرة أسست المشهد المسرحي التونسي، وعدد كبير من هذه الأسماء ما زالت موجودة وتقدم أعمالها بين فترة وأخرى، وكل اسم من هؤلاء له مكانته وأهميته في مسيرة المسرح التونسي، وهي تؤمن أن المسرح في تونس أسسته مجموعة أجيال تعاقبت، وبالتالي فإن الموضوع لم يقتصر على اسم أو جيل واحد لأن الساحة الفنية في تونس زاخرة، وبعض التجارب تجاوز صداها تونس ووصل إلى العالم، وبعضها لم تسعفه الظروف لفعل ذلك.. من هنا ترفض بن عمار أن تتوقف عند جيل محدد لتقول أنه أسس المسرح في تونس، وهي تؤكد أنها تربت على أعمال أسماء كبيرة، وشاهدت أعمالاً كثيرة، وهي كمسرحية مرت بمحطات عديدة، وفي كل محطة اتّكأت على ما أنجزه المسرحيون السابقون، وبالتالي لا يمكنها أن تلغي دور كل جيل سبقها لأن كل من عمل في المسرح التونسي من كتّاب ومخرجين وممثلين ساهم في تاريخ هذا المسرح وتأسيسه.

صاحبة مشروع

تؤكد زهيرة بن عمار أنها في أعمالها دائماً صاحبة مشروع تقترح وتدلي برأيها، رافضة الاعتماد على النصوص كمسلَّمات، وما تقوله على الخشبة تجسده في حياتها، وهي منذ سنوات تكتب نصوص أعمالها المسرحية، وعندما تقرأ النص الذي كتبته تراه مجسَّداً على خشبة المسرح، لأنها تكتب برؤية إخراجية جاهزة للتنفيذ على المسرح، ونصها يضم كل تفصيلة بعيداً عن المباشرة، وعندما تشارك في عمل مسرحي يقدم لها المخرج الفكرة تاركاً لها حرية رسم الشخصية لأنها لا تنفذ نصاً مجرد تنفيذ، وهذا ما تتعامل على أساسه سواء في المسرح أو المسلسلات أو الأفلام، فهي دائمة النقاش مع المخرج، تقدم اقتراحاتها وتبدي ملاحظاتها وتقترح، ولكن دون أن تتجاوز الفكرة التي يطرحها المخرج.

المونودراما

قدمت بن عمار عملاً واحداً في مجال المونودراما وكانت تجربة ثرية بالنسبة لها قدمتها عام 2000 بعنوان “سنديانة” وموضوعها مقتبس من قصة واقعية حدثت في إحدى مدارس تونس وقد جالت بها العالم.. وعن المونودراما ترى بن عمار أن ممثلها يجب أن يتحلى بمواصفات، أي أنه يجب أن يمتلك وعياً بالفضاء المسرحي والإيقاع العام للعمل، وأن يكون مدركاً لكل كلمة يقولها ولكل حركة يقوم بها عبر جسده، وأن ينتقل بهدوء بين البداية والوسط والذروة، مبتعداً عن السير فيها بوتيرة واحدة لأن ذلك يفشل العرض، وبالتالي عليه أن يتحمل مسؤولية العمل بكامله بحيث يوزع طاقته على مدار الوقت بالشكل الصحيح، بعكس العمل المسرحي الذي يتقاسم فيه الكثيرون العمل والمسؤوليات، مبينة أن العمل في المونودراما نوع من السلطنة وعلى الممثل فيها أن يكون قائداً وسيد الموقف، لذلك يجب أن تكون لديه ملَكة التحكم بكل الآليات، أما الإخراج برأيها فهو القيام بتقديم توليفة لكل عناصر العرض بشكل صحيح وتوظيفها لخدمة الفكرة دون زيادة أو نقصان لأن أي خلل في أي عنصر ينسف العرض كله .

وتعترف الفنانة زهيرة بن عمار أن في داخلها فتاة صغيرة تحاول الحفاظ عليها، وهذا ما يجعلها تجرب وتكتشف دون خوف أو تردد، لذلك فهي في كل عمل تقدم عليه تترك كل رصيدها وراءها وتسير نحو الامام بثقة لأن الخوف يعيق الفنان من التقدم نحو الأمام وخوض تجارب جديدة .

 تونس- أمينة عباس