تحقيقاتصحيفة البعث

مع تعدد تحدياته العمل الزراعي.. أهداف كبيرة ونتائج متواضعة ومشاريع تصطدم  بمشكلات الإحصاء وضعف التسويق

خيبات أمل المزارعين الكثيرة، وخسائر مواسمهم، وصعوبة تأمين مستلزمات الإنتاج، عناوين حاضرة بقوة على ساحة العمل الزراعي الذي، بحسب المعطيات والمؤشرات الإنتاجية والتسويقية، لم يلق الاهتمام المطلوب عند أصحاب الشأن في وزارة الزراعة التي تصر على أنها قامت بدورها على أكمل وجه، إلا أن الحرب أثرت تأثيراً كبيراً على الواقع الزراعي، وخاصة لجهة توفير مستلزمات العمل والإنتاج، لكن هذه المبررات والأعذار تسقط أمام حجم الضرر الذي لحق بالفلاح أولاً، وبالمساحات الزراعية ثانياً، وهنا لابد من السؤال عن مصير الاعتمادات التي ترصد لوزارة الزراعة سنوياً، والتي يمكن اعتبارها الأكبر والأضخم؟ وعن كيفية استثمارها في العمل الزراعي؟.

من داخل البيت

في أروقة وزارة الزراعة استمعنا لشرح طويل لما يسمى بالإيجابيات، حيث تحدث المهندس هيثم حيدر، مدير التخطيط والتعاون الدولي عن إعادة تأهيل ما تضرر من منشآت، ومؤسسات اقتصادية، ومراكز إنتاجية وبحثية وخدمية لتأمين متطلبات ومستلزمات الإنتاج بشقيه النباتي والحيواني، وأشار إلى خطة استراتيجية على المدى القريب في مرحلة إعادة الإعمار، تتضمن عدة برامج ومشاريع إنتاجية وتنموية، وتهدف إلى إعادة عجلة الإنتاج، وخلق فرص عمل، واستقرار السكان الريفيين من خلال مجموعة من البرامج والمشاريع الإنتاجية والتنموية كتطوير منشآت المؤسسات من مباقر، ودواجن، وإكثار بذار، وأعلاف، وزيادة إنتاج كباش العواس المحسنة، وتوزيعها على المربين، إلى جانب إعادة تأهيل وتطوير الغابات، وزيادة الطاقة الإنتاجية لمشاتل الغراس المثمرة، والتوسع بالزراعات الأسرية، وتأسيس مشاريع الصناعات الريفية، وزيادة حجم القروض متوسطة وطويلة الأجل، إضافة لتطوير الثروة السمكية، والموافقة على مصفوفة تطويرها من عام 2019 وحتى 2021، والتحول إلى تقنيات الري الحديث، وتحويل 1200 هكتار من طرق الري التقليدية إلى الحديثة، كما تحدث حيدر عن المرحلة الثانية، على المدى المتوسط، المتضمنة إعداد برامج لتطوير القطاعات الأساسية، ومصفوفات تنفيذية لتطوير إنتاج أهم المحاصيل الرئيسية، ولتطوير ودعم هذه الرؤية بما يتناسب والتغيرات، تمت إضافة عدة مشاريع ليتم تنفيذها خلال العام الحالي، كل هذا يعتبر إيجابياً كونه حديث أهل البيت، لكن الخبير الزراعي عبد الرحمن قرنفلة رأى أن المشكلة الكبيرة في القطاع الزراعي تكمن بالإحصاء والتسويق والتخطيط، معتبراً أن أية خطة يجب أن تبنى على أرقام صحيحة ومأخوذة من الأرض، وغير ذلك تبقى الخطط عشوائية ومبنية على أرقام غير صحيحة، بالتالي فإن النتائج ستكون مضللة.

خطأ في الحسابات

وكان لابد لمدير التخطيط من استعراض السلبيات التي عزاها بمجملها لمفرزات الأزمة، ووصفها بأنها كانت كبيرة، وتمثّلت بمنع توريد الأجهزة والمعدات والمواد الخاصة بالبحث العلمي الزراعي، إضافة لعزوف العديد من الدول عن التعامل مع الحكومة، ما انعكس سلباً على واقع تنفيذ العمل الإغاثي، إذ أصرت الجهات المانحة على العمل مع الجهات غير الحكومية التي تفتقر للخبرة، كما أصرت على إدخال المساعدات الإنتاجية الزراعية عبر الحدود وليس عن طريق المنافذ الحدودية الرسمية، وهو أمر في غاية الخطورة، بحسب حيدر، لما له من تأثيرات على منظومة الحماية الصحية، والنباتية، والحيوانية، إلى جانب قيام المنظمات بتوزيع المنح ضمن المناطق الحدودية المصنفة من قبل الأمم المتحدة بأنها مناطق تسيطر عليها التنظيمات الإرهابية، كما نوّه حيدر إلى حجم الأضرار التي قدرتها  الفاو منذ اندلاع الحرب وحتى عام الـ 2016 بـ 16 ملياراً، باستثناء أضرار منشآت الري الزراعية، والخسائر الناتجة عن تراجع الصادرات، وتخريب أغلب مستلزمات الإنتاج التي تؤمنها الحكومة، والشرح يطول عن القمح، والفائض الذي حصل بالبذار العام الماضي نتيجة عدم إقبال المزارعين على شرائه، والأبقار التي تم استيرادها، وأكد حيدر هنا على أن النفوق كان ضمن الحد الطبيعي، وحالات المرض التي أشيع عنها خلال العام الماضي ما هي إلا إشاعات، كما أن الفلاح ربما لا يملك معرفة بتربية الأبقار، والتعامل معها، مشيراً إلى أن عمليات استيرادها كانت من أصعب ما قامت به الوزارة في ظل ظروف الحصار والإجراءات، وعزوف القطاع الاقتصادي عن ذلك، أما قرنفلة فقد أوضح بأن الأبقار لم تستورد لتبقى بحظائر الدولة، بل لتوزيعها على الفلاحين، ولكن ضعف الإقبال على شرائها أدى لبقائها في حظائر حكومية غير مؤهلة، بحسب شكاوى المربين، وهذا خير دليل على أن الخطط تأتي دائماً سابقة لأوانها، وعلى المؤسسة العامة للمباقر الاطلاع والوقوف على تلك الشكاوى وحلها.

حل مغيّب

في ظل خروج المنطقة الشرقية عن الخدمة، كان من الواجب الوقوف على واقع سهل الغاب، وما يعانيه الفلاحون من إهمال، وعدم تعويض خسائرهم، إذ بيّن حيدر أن السهل لم يكن بمعظمه آمناً، وخلال الفترة الحالية تم رفع كتاب لرئاسة مجلس الوزراء لإعادة إحياء مشروع الأكروبوس، وهو مشروع تنموي لتطوير الإنتاج الزراعي والصناعي، بدوره قال قرنفلة: مخطىء من يجزم بأن مساحة سهل الغاب تعادل مساحة هولندا، وهو لا يعادل 10% منها، ملقياً اللوم لما آل إليه وضع السهل على الفلاح الذي أساء للتربة، موضحاً بأن هناك مشكلة مركبة، إذ من الصعب إقناع الفلاح بتغيير سلوكه الزراعي، ولم ينف أيضاً التقصير الموجود لجهة عدم الاستفادة من الأمطار الهاطلة في الغاب، ورأى أن السهل من المفترض أن يعامل بغير طريقة، والجواب عن سؤال إهماله عند الحكومة، أما الدكتور والخبير الزراعي تيسير أبو الفضل فقد رأى أن من واجب وزارة الزراعة، في ظل الحصار، التركيز على تشجيع الإنتاج المحلي في كافة المجالات، خاصة الخضار، ودعم الفلاح وتشجيعه فيما يتعلق بموضوع القمح، ووقف عمليات تهريبه إلى تركيا، ما أثر على أسعاره الحقيقية بشكل كبير، لاسيما في المناطق الشمالية، إضافة إلى التوجه لإنتاج الشتول الزراعية عن طريق التقانات الحيوية، والتقيد بالروزنامة الزراعية، وعدم استيراد أية مادة ذات إنتاج محلي.

ضعف إدارة

ويرى قرنفلة أن الفشل هو مقياس نسبي يختلف من شخص لآخر، ولم يكن هناك فشل بتنفيذ الخطط الزراعية الإنتاجية، وإنما حدثت إعاقة لتنفيذ تلك الخطط في المناطق المحاصرة التي تسيطر عليها العصابات الإرهابية المسلحة، واستيراد بعض المنتجات الزراعية لا يمكن اعتباره فشلاً للخطط الإنتاجية، حيث هناك محاصيل لا نمتلك ميزة نسبية تامة لزراعتها وإنتاجها محلياً: /الأرز- الشاي– البن– الزيوت النباتية- الذرة الصفراء/، أو أن الظروف المناخية تفرض دورات إنتاجية محددة تساهم بغياب القدرة على إنتاج محصول معين بما يلبي حاجة السوق خلال فترة من السنة، /البطاطا كمثال/، ما يضطر البلاد إلى تغطية الفجوة عبر الاستيراد المؤقت.

لمن يريد

رغم صعوبة تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي، وبعده عن الواقعية، إلا أن سورية حققت أرقاماً عالية فيه، وفي العديد من الحاصلات الزراعية،  ويمكن استنهاض القطاع الزراعي لمواجهة الحصار من خلال حزمة من الإجراءات تبدأ من تبني الحكومة فعلياً لاستراتيجية زراعية صحيحة تمكن القطاع الزراعي من مواجهة تداعيات الحصار الاقتصادي، لاسيما أن 56% من صادرات البلاد خلال أعوام الأزمة كانت صادرات زراعية، والعمل على تجسيد شعار إحلال الإنتاج المحلي كلما أمكن ذلك، وتحليل الواقع الراهن للقطاع الزراعي، وتحديد أولويات الدعم والمساندة، ووضع خطة طوارئ لمواجهة السياسات العدائية التي تستهدفه، وتشكيل فرق عمل تنفيذية قطاعية تخصصية ضمن القطاع الزراعي، وفرق للمحاصيل الحقلية، والأشجار المثمرة، وفرق للإنتاج الحيواني، ولتأمين مستلزمات الإنتاج، وأخرى للتسويق تكون مشتركة بين الجهات الحكومية والمنظمات الشعبية والقطاع الخاص، على أن تلتزم الحكومة بالتنفيذ وفق برامج زمنية محددة ومعتمدة، ومتابعة التنفيذ من قبل الجهات الرقابية المعنية.

نجوى عيدة