ثقافةصحيفة البعث

شادي جميل مكرماً في أماسي

 

“حتى آخر يوم في حياتي سأبقى أدافع عن بلدي، لأنني أدافع عن فني وعائلتي” هذه المفردات رددها صاحب” شهبا شو عملوا فيك” الذي نشر اللهجة الحلبية والهوية السورية في أرجاء العالم حتى لُقب” بسندباد الطرب الأصيل، الفنان شادي جميل الذي اخترق المحلية وبقي مخلصاً للتراث والأصالة، كان مكرماً من قبل وزارة الثقافة في جلسة أماسي التي خرجت عن المألوف وجمعت بين مقاطع الفيديو والغناء والحوار، ليأخذ الجمهور المحبّ دور الكورال بصوت خفي وهو يردد أغنياته التي عشقها، بإدارة الإعلامي ملهم الصالح في المركز الثقافي العربي-أبو رمانة- وقد سلمه درع الثقافة مدير ثقافة دمشق وسيم المبيض ومديرة المركز رباب أحمد.

ولم يكن الفنّ بعيداً عن جورج جبران إذ شُغف منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره بصباح فخري من خلال والده الذي كان يحضر حفلاته في حلب وبيروت والتي تستمر حتى الثامنة صباحاً، وبدأ بتعلم الموسيقا بالكنيسة الكاثوليكية، والمركز الثقافي وانضم إلى كورال مارجيريوس، وحينما أصبح بالخامسة عشرة قرر ترك المدرسة والعمل على تحقيق حلمه، فبدأ الصالح بالحوار معه والعودة إلى عمله بمعمل النسيج ليعيل نفسه ويتعلم أصول الغناء والموسيقا، ومن مرحلة تقليده صباح فخري ليكتشف ثراء هذا العالم الغني بالتراث والأصالة والثقافة والبيئة المحلية، وفي عام 1973، انطلق من نادي فينوس الذي يقيم مهرجان أضواء المدينة ويستضيف نجوم الوطن العربي، بافتتاح البرنامج، وبعد عامين كتبت له الأقدار تحقيق حلمه بالغناء في المكان الذي يغني فيه صباح فخري بتقليده في الروابي، فكان امتداداً لمدرسة صباح فخري موثقاً فنه، إلا أنه رفض أن يكون مقلداً فقط، فقرر أن يتخذ لنفسه مساراً جديداً لا يخرج عن إطار الأصالة ليصبح فيما بعد مدرسة بحدّ ذاتها، فبدأ مساره الفني مع الملحن فتحي الجراح والشاعر عمر البابا، ليتوقف معه الصالح عند دعاء “يارب” الذي كان فاتحة الخير عليه كما ذكر شادي جميل، وفي بداية الثمانينيات بدأ بإقامة حفلاته في لبنان، وأخلص جميل للتراث بترميم القدود والموال وتركيب الكلام على اللحن الأصلي بعد تغييرها.

الخروج من المحلية

في عام 1988صدح صوت جميل ب”يا جملو” وغيرها، ويحقق شهرة كبيرة فقرر الخروج من المحلية، فتوقف معه الصالح عند هذه المرحلة مع إيلي شويري؟ وأوضح جميل بأن شويري لا يملك عقدة الآخر، متسائلاً ما المانع إذا وجد الفنان الإمكانية لتقديم شيء جديد بالانفتاح نحو الآخر بالتطرق إلى الغناء المعاصر بأسلوب راق إضافة إلى التراث، فغنى لحنه الشهير”تحرم علي النسا إذا بعشق غيرك يوم”، وكثير من الأغنيات مثل ياجميلة –الرحيل- كل القلوب، وتعاون مع عدة شركات إنتاج، ويعزو جميل عدم شهرتها مقارنة مع بقية أغنياته إلى الإعلام وعدم رغبته بدخول عوالم الفيديو كليب لأنه يحب الغناء المباشر مع جمهوره، والتسجيل بالأستوديو.

وتلاحقت المراحل الفنية لشادي جميل الذي وجد نفسه بالبيئة المحلية أكثر، بثنائيات الملحن والشاعر فتعاون مع الشاعر نظمي عبد العزيز وعمر البابا وصفوح شغالة وعبد الرحمن الحلبي، فانتقل الصالح إلى تعاونه مع الملحن مازن أيوبي ب”مجدك يا قلعة حلب”، ومع إبراهيم جودت”ربي عليك شاهد” وتبدأ مرحلة جديدة مع عدنان أبو الشامات.

المسألة الهامة التي أثارها الصالح ومازالت على المحك هي عدم توثيق أغنيات شادي جميل الخاصة، وتسرب بعضها للغناء من قبل بعض المطربين العرب ونسبها إليهم، إذ غنت ديانا حداد طير اليمامة، ونجوى كرم “ياقلبي، يا حبي” وناصر أسعد “ليش أنا حبك جنون” وآخرون، وأوضح جميل بأنه لايحب معاداة الآخرين ويعود ذلك إلى تمسكه بأخلاقه وقيمه الأصيلة  ، وأكد أنه في الوقت المناسب سيحصل على حقه، وبالتأكيد هذه المسألة مازالت على المحك ويتحمل مسؤوليتها الكاتب والملحن.

أغنيات الأزمة

وعن أغنيات الأزمة لاسيما الأغنية ذات الوقع الحزين”شهبا شو عملوا فيك”، كلمات صفوح شغالة وألحان جورج ماردوسيان، وتوزيع هاني طيفور، تحدث جميل عن هذه الأغنية التي عكست انعكاسات الحرب على البشر والأوابد وتزامنت مع الحدث الأليم لتهديم مئذنة المسجد الأموي وتدمير الأسواق القديمة، لتتبعها أغنية خاصة بتهديم الجامع يا قبلة الشهباء التي غناها في جلسة أماسي بلحظات مؤثرة”يا قبلة الشهباء، يا منبع العلماء، ياورد الأصفياء، وتابع عن الحياة القاسية التي اشتدت في حلب منذ عام 2012ونزوح الكثير من الحلبيين وهجرتهم إلى أماكن متعددة، في هذه الأوضاع غادر إلى بيروت لكن زياراته إلى دمشق لم تنقطع، وخلال سنوات الحرب الطويلة رفض شادي جميل أن يغني إلا لوطنه الجريح أغنيات تبوح بوجع الحرب مبتعداً عن الأغنيات العاطفية والغزلية. وعرض الصالح فيديو لعازفي فرقة موسيقية من الشباب عزفت موسيقا الشهبا وغنوها في دار الأوبرا في ألمانيا، مما يدل على التواصل الروحي والثقافي بين الجاليات العربية والسوريين في ألمانيا وبين الوطن، ليتابع عن الشهرة الفائقة التي حققها جميل في بلاد المهجر كندا وأستراليا وفنزويلا، حيث كان أغلب الحاضرين من الشباب، ليصل إلى سؤاله كيف استطعت التواصل مع جيل الشباب والتأثير عليهم بالإصغاء إلى الغناء طيلة أربع ساعات؟ أوضح جميل بأنه معتاد على الغناء لساعات طويلة تأثراً بصباح فخري وأنه من مدرسة التراث والأدوار والموشحات، لكن لابد من جذب الشباب إلى اللحن والكلمة من خلال أغنيات لاتخرج عن الأصالة وتقرب الشباب من الطرب الأصيل، لتقديم المعاصر في خدمة الموروث، وتابع عن حضور الجالية الحلبية بالذات في بلاد الاغتراب لاسيما في فنزويلا ومحافظتهم على تقاليد حفلات حلب التي تستمر حتى طلوع الشمس.

مقاربته مع صباح فخري

واختتمت أماسي بعدد من الشهادات من بلاد المهجر والدول العربية، منها شهادة مسجلة ل”د. سعد الله آغا القلعة” الذي قال: إن شادي جميل أول من جعل من صباح فخري مدرسة تتبع”.

والشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي الذي تعاون معه وكتب له قصائد وموشحات، منها جافاني الخل، بيّن بأن الملحن عدنان أبو الشامات يضع العلامات الموسيقية بناء على مساحة الصوت، فغنى شادي جميل اللحن الذي كتب لصباح فخري دون أي تغيير من عدنان أبو الشامات.

وتحدث الموزع الموسيقي هاني طيفور عن صعوبة تسجيل أغنية شهبا في الأوضاع التي عاشتها حلب، ومن أولاده في كندا، إلا أن أجملها شهادة الشيخ جمال حماش الذي رأى أن شادي جميل بتعامله مع الملحنين والشعراء مثّل المجتمع السوري المتعدد الانتماءات والطوائف. وتميّزت أماسي بعرض فيلم من إعداد وزارة الثقافة عن سيرته الذاتية والفنية، وأهدى  د. عماد فوزي الشعيبي الذي كان حاضراً شادي جميل قصيدة عن الشام يقول مطلعها.

“أليست الشام لغزاً من الله

واللغز تنعقد من أجله الشام”

ملده شويكاني