ثقافةصحيفة البعث

نهاد أحمد في “ليلك يستحق الانتظار”

 

في إضافة نوعية ومتميزة لروايات موضوعها الحرب بين يدي القارئ العربي رواية نهاد أحمد (ليلك يستحق الانتظار) وقد تركت الكاف في ليلك بلا فتحة أو كسرة إفساحا للخيال أن يجيز التذكير والتأنيث، والعنوان عتبة هامة وضرورية للدخول في النص، فهو ليس غاية بحد ذاته إنما التكثيف الأبرع للسرد.
وقبل الإضاءة على مضمون الرواية وهذا البناء الفني المتكامل والذي لا يخلو من التشويق لا بد من الإشارة إلى أن الرواية مطبوعة في مصر، وأنها ليست الرواية الوحيد للكاتبة السورية نهاد أحمد، وأنها من أدب الحرب.
أبطال الرواية رجالا ونساء من بين الأحياء المقيمين بيننا هنا أو هناك، مازالت آثار الحرب بادية للعيان سواء منهم من بترت ساقه أو تركت الشظايا أخاديدها على مساحة الوجع السوري المقيم.
د. عبد الرحمن، ليديا، سارة، سيرين، نينار، داوود، ديار الخ..
أما الزمان فهو هذه السنوات التسع الماضية بكل ثقلها على أجسادنا وأرواحنا، ففي عام 2010 يقرر د. عبد الرحمن العودة إلى وطنه بعد تأخر عن موعد الالتحاق بالجامعة لخمسة عشر عاما من الغربة الطوعية في فرنسا، ولابد أنه جمع مبلغا من المال ساعده في فتح عيادة وشراء منزل أو أكثر، لكن هذه العودة كانت على حساب أسرته، الزوجة ليديا، وسارة المبدعة في عالم الأزياء، وكذلك سوريه أو سيرين التي أحبت شابا يحمل الجنسية الفرنسية وهو من أصول عربية مثلها.
تمتد جغرافيا السرد والوصف من فرنسا إلى سورية الوطن الأم إلى لبنان بعد نشوب الحرب وبدء الأحداث التي تطورت من إلى بسرعة البرق.
الطبيب عبد الرحمن من أول ضحايا الإرهاب حيث يتم اختطافه على يد مسلحين مجهولين يطلبون فدية كبيرة تصل إلى خمسة عشر مليونا، تنزل بعد وساطات وأربعة وسبعين يوما من العذاب العابر للتصور والاحتمال إلى اثني عشر مليونا، ما يضطر الأسرة أن تقع تحت عجز كبير، وتحت سطوة العمة التي وجدتها فرصة سانحة لتشغيل سارة في الأزياء كما يحلو لها, والأهم أن عبد الرحمن قد أصيب بصدمة نفسية حادة أخرجته من دائرة الحياة الطبيعية التي كان يوفرها لأسرته، وجعلته عالة عليها، فيما كان عليه أن يكون السند القوي لأمه التي ماتت حزنا وكمدا عليه وهو ما زال بين أيدي الإرهابيين، ولزوجته التي ضحت بمستقبل فنها الرفيع وهي الفنانة التي تباع لوحاتها في كل معرض بباريس أو خارج باريس، ولسارة التي استشعرت خطر الضعف في مثل هكذا حالات فكسرت ما هو مألوف، ذهبت إلى بيروت، عملت مع داري أزياء، مضحية بحب صادق وعارم لديار المهندس والعازف الموسيقي البارع، لكن ديار لا يتخلى عنها ويحيطها بكل عناية ورعاية ويقف معها الموقف النبيل، إلى أن يقع هو الآخر ضحية الحرب الظالمة وفصول جنونها وحقدها المتتابع فتبتر ساقه إثر تفجير إرهابي.
سأكتفي بهذا القدر من الحديث عن الشخوص في الرواية وكلها تنتمي إلى الطبقة الوسطى في المجتمع، ومن النخب الثقافية والفنية والدارسين، وهذا ما أضفى الكثير من الصدقية في الرواية وكأننا أمام سيرة ذاتية لصاحبة دار أزياء، خبيرة وخريجة المدرسة الفرنسية، مع أني أزعم أن البطولة في الرواية توزعت ما بين الحب والوطن والإنسان، ولم يظهر وفاء أحد من الجنسين على الآخر، بل كان موزعا على الرجل والمرأة.
في الرواية وعي تام ومبكر لطبيعة الحدث السوري، ورصد عارف وأمين للأحداث، وقد نجحت الكاتبة في تدوين مزاعم ومواقف الطرف الآخر المساند والمؤيد (المعارضة) وقدمتها في سياقها، وراحت تعري وتفضح في كثير من الذكاء تلك المواقف.
حافظت الكاتبة على استخدام ضمير المتكلم، وكانت الراوي الرئيس للحدث فجاءت اللغة أدبية بكل معنى الكلمة. وكم كان بودي لو أعطت الحوار حقه، وكذلك لو تحاشت بعض الأغلاط اللغوية.
الرواية في 328 صفحة من القطع المتوسط صادرة عن دار الوليد.
رياض طبرة