دراساتصحيفة البعث

ارتباك أمريكا لن يغيّر سوريّةَ الجولان

لم يبدأ الموقف الأمريكي بشأن الجولان من تغريدة ترامب حول الهضبة السورية، بل كانت شرارتها عندما حذفت المندوبة الأمريكية في مجلس حقوق الإنسان أثناء تلاوتها لتقرير حالة حقوق الإنسان في العالم، قبل انسحاب بلادها من المجلس، كلمة “الجولان المحتل” واستبدلتها بعبارة “التي تسيطر عليها إسرائيل”، وقبل ذلك سبقها أيضاً قرار المندوبة الأمريكي في مجلس الأمن عندما استبدلت قرار بلادها حين التصويت على عدم شرعية احتلال الجولان السوري من قبل الكيان الإسرائيلي من قرار “الامتناع” إلى “ضد”.
هذا التبدّل في الموقف الأمريكي لا يشير إلى فهم في القانون الدولي بقدر ما يشير إلى نوايا لخلط أوراق المنطقة بعد أن تحددت مساراتها واتجاهاتها بفعل نتائج اقتراب نهاية الأزمة السورية، وتحديد المنتصرين والمهزومين في هذه المعركة. وحتى لو تبدل الموقف الأمريكي فإن الجولان المحتل أرض سورية بحسب القانون الدولي، وبحسب الوجدان والوعي السوري الذي لن يتنازل عن شبر من أي أرض سورية مغتصبة سواء من قبل الاحتلال الإسرائيلي أو من تلك القوات الأجنبية التي دخلت الأراضي السورية بدون موافقة الحكومة السورية.
منذ زمن ليس بقريب تدرك سورية أن أمريكا ليست وسيطاً نزيهاً، بل هي شريك في المؤامرة أكانت احتلال أراض أو تصدير الإرهاب. في المقابل كانت سورية منذ انطلاق عملية السلام وحتى الآن تؤكّد على ضرورة إحلال السلام العادل والشامل وفق المرجعيات الدولية وقرارات الأمم المتحدة التي وافقت عليها أمريكا نفسها، وحتى الكيان الصهيوني.
ولكن بعد أن تحدّدت ملامح خارطة المنطقة برمتها تسعى أمريكا إلى وقف كل القرارات والمسارات بعودة سورية إلى محيطها الطبيعي، فهي تعرقل الحوار الداخلي عبر الضغط على المعارضات التي تشغلها دول النفط، وتمنع عودة اللاجئين وهذا ما حصل بالفعل في مؤتمر بروكسل في منتصف آذار 2019 وحصد 7 مليارات دولار لمساعدة اللاجئين السوريين بدلاً من دعم عودتهم إلى بلدهم، كما أنها عرقلت كل الجهود العربية لمنع التقارب بين سورية وأبناء جلدتها.
إذن القرار الأمريكي يعكس القلق الاستراتيجي الذي تعاني منه واشنطن وأدواتها، فـبعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انسحاب قوات بلاده من سورية، بدا الارتباك ليس على مستوى الإدارة الأمريكية فحسب، بل وصلت حالة الإرباك إلى أدوات واشنطن، ما يفسر حالة الصراع بين هذه القوى، حيث لكل منها أهداف وخطط يراد منها توظيف التناقضات التي جاءت بعد القرار الأمريكي، وبات الهاجس الوحيد الذي يجمع هذه الدول، كيفية توظيف القرار الأمريكي، واللعب على التباينات السياسية والعسكرية.
حتى الآن يبدو واضحاً أن القرار الأمريكي المتعلق بالجولان لا يزال ضمن إطار المراهنات الرامية إلى تحجيم الانتصار السوري وتداعياته، لكن تدرك الإدارة الأمريكية أن الدولة السورية وجيشها عازمان على الاستمرار بتحرير كامل الأرض السورية من الإرهابيين، فضلاً عن الهدف الاستراتيجي للجيش السوري المتمثل بتحرير الجولان المحتل، وهذا ما جعل واشنطن تفكر في إعادة صياغة إستراتيجيتها، بما يحقق لها مكاسب سياسية ضمن فرضيات خلط الأوراق من جديد، ولكن هذه المراهنة ليست إلا توظيفاً سياسياً لتطبيق إستراتيجية التقسيم، والعمل على الوقت بدل الضائع من أجل ترسيخ حالة الفوضى، وإحداث صدع استراتيجي في سورية، وهذا يفسر حقيقة الجولة المفاجئة لوزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى المنطقة بهدف تدارك حالة الارتباك، ومحاولة ترتيب جزئيات القرار الأمريكي، بما يناسب الكيان الصهيوني.
علي اليوسف