دراساتصحيفة البعث

سريلانكا.. تذكير بالماضي المروع

 

ترجمة: عناية ناصر

عن موقع ذا أتلانتيك 21/4/2019

تفجيرات عيد الفصح التي وقعت يوم الأحد في سريلانكا، وأودت بحياة أكثر من 200 شخص، هي تذكير بالتوترات التي ظلّت قائمة بسبب الحرب الأهلية الوحشية التي انتهت قبل عقد من الزمن.

عندما انتهت الحرب الأهلية الوحشية في سريلانكا قبل عقد من الزمن، كان هناك أمل في أن تترك الجزيرة الماضي وراءها، إلا أن تفجيرات عيد الفصح، هي أول هجمات بهذا الحجم منذ نهاية الحرب، كما لو أنها تذكّر بمدى هشاشة السلام الذي حقّقته البلاد. وقعت التفجيرات الدامية التي ضربت الكنائس والفنادق في توقيت حرج، إذ لا تزال البلاد تكافح من أجل التوفيق بين ماضيها وبناء مستقبلها الجديد والتي خرجت للتو من أزمة دستورية مريرة بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء.

هناك خليط سكاني متنوّع في سريلانكا، فأكثر من 70 بالمائة من البوذيين، ونحو 12.5 بالمائة من الهندوس، و10 بالمائة من المسلمين، و7 بالمائة من المسيحيين، ومع ذلك بقيت البلاد  مستقرة إلى حدّ ما منذ الحرب الأهلية، ولا يزال من غير الواضح من الذي يقف وراء التفجيرات، رغم أن وزير الدفاع في البلاد قال إن إحدى الجماعات ربما كانت مسؤولة، وأنه تمّ اعتقال سبعة أشخاص.

في السنوات العشر التي انقضت منذ نهاية الحرب الأهلية، لم يكن كل شيء قاتماً. فقد ازدهرت السياحة في سريلانكا، وانتعش الاقتصاد نوعاً ما، لكن في العام الماضي، ذهب البوذيون إلى المناطق ذات الأغلبية المسلمة في وسط البلاد وأحرقوا المحال التجارية والمنازل التي يملكها المسلمون في أعقاب التوترات بين الطائفتين. لقد أصابت هذه الخطوة  غير المتوقعة البلاد بصدمة، بينما أشارت الأمم المتحدة إلى الوعود التي قطعتها الحكومة السريلانكية أمام المجتمع الدولي بعد نهاية الحرب الأهلية ولم تفِ بها.

يصادف الشهر القادم الذكرى السنوية العاشرة لنهاية الصراع بين الحكومة وانفصاليي التاميل في شمال البلاد وشرقها. كان متمردو نمور التاميل، الذين كانوا رواد التفجيرات الانتحارية الحديثة، يُعتبرون في وقت من الأوقات أكثر المنظمات الإرهابية خطورة في العالم، إذ نفذوا على مدى ثلاثة عقود، تفجيرات انتحارية، والعديد من الاغتيالات طالت مسؤولين كبار. وفي أوائل الألفية الثانية، سيطروا على ثلاثة أرباع الأراضي التي زعموا أنها جزء من إقليمهم، ولم يتمّ القضاء على هذه المجموعة إلا في عام 2009، عندما تمّ سحقها من قبل  الجيش السريلانكي.

كان هناك أمل في أن نهاية الصراع ستشكّل فجراً جديداً لسريلانكا، لكن هذا التفاؤل انهار أمام الواقع السياسي، حيث أكدت الحكومة السريلانكية للمجتمع الدولي أنها ستتخذ خطوات لتحقيق العدالة للمتضررين من النزاع، لكنها لم تتخذ سوى إجراءات محدودة حتى الآن، وهو ما حذّر منه مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في شباط من أن “عدم المساءلة عن الأعمال السابقة ساهم على الأرجح في عودة العنف ضد الأقليات في آذار 2018″.

كما أدّت الاضطرابات السياسية بين رئيس البلاد ورئيس الوزراء إلى مواجهة أزمة دستورية في العام الماضي تمّ حلها من خلال تدخل المحكمة العليا في البلاد. ومن المتوقع أن يستمر عدم الاستقرار هذا، حيث من المقرّر أن تُجري سريلانكا انتخابات رئاسية في وقت لاحق من هذا العام، والانتخابات البرلمانية العام المقبل.

وقال أحد المحلّلين الإقليميين لـ”سي إن بي سي” إن الأقليات تعتبر أن ثرواتها تُنهب قبيل الانتخابات، حيث تحاول الأحزاب السياسية جذب الناخبين البوذيين الوطنيين. في حين أن التوتر الرئيسي في سريلانكا الحديثة كان بين الأغلبية السنهالية والأقلية التاميلية، إلا أن هذا التوتر غلبته قوة أخرى، هي شدة التطرف البوذي، ولاسيما في بلد يشكّل فيه البوذيون نحو 70 بالمائة من سكان البلاد البالغ عددهم 21 مليون شخص. اغتال راهب بوذي رابع رئيس وزراء للبلاد في عام 1959 لتوقيعه على ما يبدو اتفاقاً يمنح أقلية التاميل في البلاد حكما ذاتياً محدوداً. في عام 2018، هاجم البوذيون المحال التجارية والمساجد التي يملكها المسلمون ما أسفر عن مقتل شخصين على الأقل.

أما المسيحيون، الذين يشكلون نحو 7 بالمائة من سكان سريلانكا، فقد تمّ تحييدهم إلى حدّ كبير من الاستهداف بشكل مباشر رغم أنهم كانوا ضحايا الحرب الأهلية أيضاً، ولكن يبدو أن هذا الوضع تغيّر في عيد الفصح الأحد الماضي!.