اقتصادصحيفة البعث

تكلفة الطاقة البديلة 15 مليون ليرة مقابل 29 مليوناً للمحروقات رحلة البحث عن البدائل انطلقت… مزارعو درعا يستعيضون عن المحروقات بالطاقة الشمسية لتشغيل الآبار

 

 

لم يكن ليخطر على بال منصور عثمان، المزارع الذي امتهن زراعة الخضار في طفس في محافظة درعا قبل ما ينوف عن أربعة عقود، أنه سيشغل مضخة البئر لديه ذات يوم بالطاقة الشمسية بدل المحروقات كخيار دفعه إليه نقص المحروقات وارتفاع أسعارها، لكنه أعجب بهذا البديل بعد تجريبه، إذ أصبح بمقدوره أن يروي أرضه لمجرد شحن مجموعة البطاريات بالطاقة الشمسية، والتي هي (لا مقطوعة ولا ممنوعة)، يقول هذا المزارع..

تكلفة البديل..

في ظل النقص الكبير للمحروقات وحاجة المزارعين الماسة لري محاصيلهم، بدا خيار الاعتماد على توليد الطاقة اللازمة لهذه المحركات عبر ألواح الطاقة الشمسية خياراً عملياً ناجحاً، وهو وإن كان مكلفاً عند التركيب، إلا أن هذه التكلفة تدفع لمرة واحدة، وأدى عجز الكثير من هؤلاء المزارعين عن تحمل أعبائها للمشاركة فيما بينهم، بحيث يخدم البئر الواحد أكثر من مشروع.

وتقدر أوساط الفنيين، الذين يعملون على تركيب هذه الطاقة تكاليفها بين 11.5 – 15 مليون ليرة سورية، دون احتساب أسعار البطاريات؛ لأن عددها واستطاعتها تتفاوت تبعاً لحجم المشروع ونوعية الزراعة، وما تتطلبه من سقايات، وتحتاج مجموعة الطاقة لحوالى 100 لوح شمسي، وحوامل حديدية (شاسيه) وتمديدات وأسلاك ورافع جهد وغاطسة وملحقات أخرى كثيرة..

والأصيل..

لا يترك ارتفاع أسعار المحروقات والاستهلاك الكبير لها من خيار أمام المزارع سوى اللجوء للطاقة الشمسية، فالبئر الواحد يحتاج يومياً 250 – 300 ليتر من المازوت (275 بالمتوسط)، الذي يباع بسعر نظامي- إن توافر- بمئتي ليرة، وفي السوق الموازية حتى 700 ليرة (500 بالمتوسط)، وبهذا يكون الاستهلاك اليومي 137 ألف ليرة، والشهري 4.125 ملايين، والموسمي على أساس متوسط عمل سبعة أشهر 28.875 مليوناً.

ولا تقف التكاليف عند هذا الحد، بل تتعداه إلى الكثير من المستلزمات والخدمات المساندة، مثلاً يحتاج المحرك 10 ليترات من الزيت المعدني عند كل غيار، سعر الليتر الواحد 1500 ليرة، أي 15 ألفاً، ولثلاث مرات شهرياً، لتكون التكلفة 45 ألفاً، و315 ألفاً موسمياً، فضلاً عن تكاليف الصيانة والإصلاح وخراطيم المياه وغيرها..

فوائد متوقعة..

في موازاة مصادر الطاقة الإحفورية المعتمدة على النفط، تشكل الطاقة الشمسية مصدراً مهماً نظيفاً، فهي تسهم في الوقاية من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن استخدام الوقود، كما تغني عن الكهرباء المتكررة الفواتير والانقطاع، والأهم أن مصادر هذه الطاقة لا تنفد، وهي ذات إمكانات هائلة من الصعب تخيلها، إذ يرى باحثو الطاقات المتجددة أن ما تستقبله الأرض من طاقة شمسية لساعة واحدة، تكفي احتياجات البشر عاماً كاملاً، وأن الكميات التي يمكن استغلالها من الشمس تعادل أضعاف الكميات المستغلة من النفط.

ويبدى الخبير الزراعي عبد الرحمن قرنفلة حماساً كبيراً للاعتماد على هذا النوع من الطاقة في الإنتاج الزراعي، ولاسيما في ظل تعاظم الحاجة للطاقة اللازمة للمكننة الزراعية، حيث يمكن الاستفادة منها في خدمة هذا الإنتاج، مع إمكانية الوصول إلى فائض طاقة قابل للبيع مستقبلاً، مشيراً إلى توافر جملة من الظروف والعوامل المساعدة، فسورية من الدول المشمسة، واستخدام هذه الطاقة يسهم في تحقيق وفورات في استهلاك الطاقات التقليدية، صحيح أن المزارع مضطر لتحمل تكاليف كبيرة عند تركيب هذه الطاقة الشمسية لأول مرة، لكنه سيحصل في المواسم المقبلة على نتائج إيجابية مع تكاليف لا تكاد تذكر. ويلفت قرنفلة إلى أن استخدام الطاقة الشمسية ليس جديداً، فالأجداد اعتمدوا عليها اعتماداً بدائياً، عندما كانوا يجففون الخضار والفواكه بطريقة (التقديد)، التي يمكن وصفها بالتجفيف الطبيعي (الشمسي)، وهي ما تزال مستخدمة في بعض مناطق الريف السوري حتى اليوم، علما بأن الشمس هي المصدر الأساس في تكوين مصادر الطاقات الأخرى، كالفحم والنفط والغاز على مر العصور، حيث تكونت بفعل حرارة الشمس وعملية الضغط.

مؤشرات الري..

يكتسب الحديث عن طرق وأساليب الري في محافظة درعا بعداً مهماً للموسم الجاري في ظل موسم مطري متميز، ففي المحافظة، وفقاً لمؤشرات مديرية الموارد المائية، 15 سداً سطحياص سعتها التخزينية الإجمالية بحدود 92 مليون متر مكعب، تروي 8000 هكتار، إلى جانب 15 محطة ضخ تغذي شبكات الري القديم. وهناك 3600 بئر إرتوازية مرخصة، وحوالى ألف أخرى غير مرخصة، علماً بأنه لا توجد إحصائية دقيقة للنوع الثاني حتى الآن. وحققت المحافظة نتائج مهمة في التحول إلى الري الحديث، الذي يتجاوز بالعموم نسبة 80 بالمئة، فيما وصل في مناطق جاسم وإزرع ونوى وإنخل وطفس إلى 100 بالمئة.

والزراعة..

وتفيد المؤشرات الصادرة عن مديرية الزراعة بأن تكلفة زراعة الدونم الواحد من البندورة (في المتوسط) تصل إلى 150 ألف ليرة، ينتج خلال الموسم 15- 20 طناً، حيث يتفاوت الإنتاج تبعاً للمواسم والسقايات والتسميد والأصناف، التي تخصص للتصدير أو العصير أو الكاتشب، وتورد كميات كبيرة منها إلى معامل الكونسروة داخل المحافظة وخارجها، وتمتاز البندورة الحورانية باللون والحجم والمذاق، وفي الوقت الذي تشكل جزءاً مهماً من غذاء السوريين، فإن المحافظة تستحوذ على نصف الإنتاج الوطني من هذه المادة؛ ما يجعلها عماد معيشة عشرات الآلاف من الأسر في كل مراحل الإنتاج والنقل والتصنيع، علماً بأن المديرية خصصت للموسم الجاري حوالى 2894 هكتاراً لزراعتها بالأصناف المختلفة من البندورة، التي يتركز إنتاجها بنسبة 80 بالمئة في مناطق نوى وجاسم وطفس وإزرع وإنخل..

أحمد العمار