ثقافةصحيفة البعث

كل الدروب إلى روما

“كل الطرق تؤدي إلى روما” هذه الجملة التي اشتُهرت جداً، يعود أصلها إلى مدينة روما التي كانت تُعتبر مركز الإمبراطورية الرومانية في العصور الوسطى والتي سعت للسيطرة على العالم لتُصبح أقوى إمبراطورية على وجه الأرض في ذلك الحين، عندما بدأ أباطرة الرومان بغزو البلاد وشن الحروب لضم أراضٍ جديدة إلى إمبراطوريتهم، كانت الأرض وعرة والطرقات صعبة بين المناطق التي يستولي عليها الرومان، فكان الحل من أجل فرض سيطرة الدولة الرومانية على كل المناطق المحيطة بها ربط البلاد مع العاصمة عبر طرق مرصوفة تسهل عبرها حركة المواصلات فتم شق طرق حديثة بين تلك البلاد تقود مباشرةً إلى العاصمة الرومانية، فأصبح في النهاية كل طريق يؤدي إلى روما.

هذه قصة المثل لكن الكاتب المصري الشاب محمد طارق اختار أن يعنون روايته باسم “كل الطرق لا تؤدي إلى روما”، فطرق هذا الكاتب لن تؤدي إلى تلك المدينة المنشودة، في البداية لفتني العنوان والمقدمة التي تستفز القارئ ليقلب صفحات الكتاب ويعرف السر الذي يريد إيصاله إلى قارئه، طلب في مقدمته “أن لا يقرأها من كان ملتزماً دينياً فهي ستجعله يفكر في عقيدته وإيمانه، طلب من الملحد ألا يبحث عن كلمات تدفعه للإيمان، طلب من القارئ ألا يصدق بأن اللون الأبيض هو الذي يناسبه بل إن نقيضه من يزيدك جمالاً، يقول الراوي أن قصته لا تخاطب الواقع أو المجتمع، بل تحاكي ذلك القارئ” كلمات تلك المقدمة تحث المتلقي على التهام صفحات الرواية لإشباع الفضول الذي حركته تلك الكلمات، لكن المفاجأة أن الرواية كانت أقل من عادية لا تملك من سحرها إلا تلك المقدمة الجميلة وبعض العبارات التي تصلح أن تكتب على قصاصات ورق صغيرة أو على مواقع التواصل الاجتماعي.

كما يتضح من العنوان دارت أحداث الرواية في روما، هذا ما زعمه الكاتب إلا أنه لم يعطِ أي تفاصيل عن تلك المدينة ولا جمال آثارها ولا سحر حضاراتها ولا عنفوان ذكرياتها النابضة في أحجارها، وهنا حسب الظن أن طرق الكاتب لا تؤدي إلى روما لأنها أصلا كانت مشوهة بعيدة عن تاريخ تلك المدينة، كما شخصياته المشوهة التي كانت عالقة في الماضي ولم تجد الحلول والإجابات التي ترضيها.

رواية رومانسية درامية تتحدث عن الحالات التي تنتهي بالخذلان والنهايات غير السعيدة، الرواية التي يقول أنها تصف البشر ليس أكثر، يتحدث فيها عن الحياة بشكل عام، “ديفيد شاهين” بطل الرواية صاحب الذاكرة المختفية والمصاب بالفصام والذي كان لقبه “العجوز” كاتب وسيناريست معروف تقع له حادثة يفقد على أثرها الذاكرة وتبدأ رحلة علاجه من خلال “سام” ممرضته التي تصحبه إلى بلدته علّها تنجح في إعادة ذاكرته، لتتوالى اكتشافات هذا الشخصية المحيرة على لسان أصدقائه، أدبياته، حياته، علاقاته النسائية وأصدقاء طفولته حتى علاقته بأبيه وأمه.  طريقة السرد كانت تحاكي أسلوب الكتاب الغربيين وفي أغلب الأجزاء كنت أعتقد أن الرواية مترجمة ترجمةً حرفية مستفزة، لتنبهك جمل واقتباسات عن أناس عرب لا يمتون بصلة لموقعها في الرواية مثل عبارة “الجنة تحت أقدام الأمهات” والتي هي من المفترض أن تكون جملة إسلامية فكان من الغريب أن تدخل في نطاق حديث شخصية الكاتب الأجنبية والتي لم يوضح انتماءها الديني أبداً.

الشيء الجميل في الرواية هو الفكرة الفلسفية التي كانت محورها تقريباً وهي فكرة تناغم الحياة بين الخير والشر، وأن الحياة في الكثير من جزئياتها وتفاصيلها رمادية اللون، هذه الفكرة التي طغت على أفكار الرواية بغض النظر عن سطحية بعض الشخصيات التي لم تتطور، بالإضافة إلى نرجسية وأنانية البطل الأساسي التي كانت مستفزة في بعض الأحيان، الذي يؤخذ على مجهود الكاتب المبذول هو طرحه لفكرة الأديان والإلحاد وإقحامها بطريقة تنفر الذي يقرأها لأنها لا تمت للرواية بصلة على الإطلاق فكان باستطاعته الاستغناء عن هذه الأفكار وجمعها في رواية أخرى تستدعي وجودها.

الملفت في طريقة الكاتب والتي شدتني لإكمال الرواية هو الجانب النفسي الذي لم يغفل عنه في الفصل الرابع والعشرين منها، كانت فكرة الاعترافات وكشف أجزاء اللغز في حد ذاتها شيقة جداً، فالحقيقة تكمن في النهايات، فأحياناً تكون البدايات خداعة ومزيفة ولا تظهر حقيقة الأمر، والكاتب لم يغفل عن هذا، فنهاية الحكاية قامت بقلب الموازين.

علا أحمد