ثقافةصحيفة البعث

“درس قاسي”.. معادلات سورية للنص الروسي

 

لأن العنف من أهم مواضيع الساعة وصار جزءاً من الحياة اليومية العربية، ويُمارس يومياً بين الأفراد وبين الجماعات، وحتى بين الدول، ونحن في سورية عانينا على مدى سنوات منه، وقد أصبح آفة العصر، لذا كان من الضروري برأي د. سمير عثمان الباش مخرج مسرحية “درس قاسي” التي تستمر عروضها لغاية 27 من الشهر الحالي والتي تقدمها مدرسة الفن المسرحي أن تتصدى لتحليله وسبر أغواره داخل النفس البشرية، مؤكداً أن المسرحية لا تحاول تغيير العالم بل تدعو كل إنسان لأن يتحمل مسؤولية عمله ووجوب أن يكون أكثر طيبة وإنسانية، دون أن تدين المسرحية الإنسان بقدر ما تعطف عليه وترثي حاله.

من المذنب؟
يبين الباش أن مسرحية “درس قاسي” مُعدّة عن نص درامي نفسي يحمل الاسم ذاته للكاتب الروسي المعاصر فالنتين كراسنوغوروف، وهو عمل مسرحي يبحث في الأصول السيكولوجية والاجتماعية للعنف والقسوة، ويبين الحدود الرفيعة التي تفصل بين الأفعال الأخلاقية وغير الأخلاقية التي يمارسها الفرد في المجتمع من خلال قيام طالب وطالبة بتجربة نفسية في مركز العمل تحت إشراف دكتور في علم النفس، فيقومان خلالها بتعذيب امرأة حتى الموت لغايات (علمية) حيث الهدف المعلن من التجربة هو اكتشاف إذا كان الخوف من العقاب الجسدي يساعد في عملية التحصيل العلمي أم يضر بها، أما مغريات الطالبين للاشتراك في التجربة فكثيرة، منها الحصول على مبلغ من المال، وعلامة عالية في الامتحان العملي، وشرف المشاركة في التجربة والاكتشاف العلمي الهام بالنسبة للمجتمع والوطن والإنسانية، ولكن تحت وطأة الضغوط النفسية لهذه المغريات وتأثير شخصية الدكتور وهيمنته يتحول أحد الطالبين المشاركين في التجربة إلى جلاد حقيقي، فيعذب المرأة التي تُطبق عليها التجربة، ويبالغ في إظهار قسوته حتى يؤدي ذلك إلى قتلها، ليكون السؤال: من المذنب الرئيسي في تعذيب وقتل الضحية البريئة؟ هل هو الطالب الغِرّ الذي اتبع إرشادات أستاذه؟ أم الدكتور المحرِّض الذي مارس سلطته واستخدم –بوعي- مختلف أساليب الضغط التي تمارس في المجتمع الأمر الذي حوَّل الطالب الجامعي إلى مجرم قاتل؟ ولكن قبل إيجاد جواب لهذا السؤال يتضح أن للتجربة أهدافاً أخرى تماماً لا علاقة لها بأثر العقاب الجسدي في التحصيل العلمي، وإنما ينحصر جوهر التجربة في قياس مدى استعداد الأفراد لإطاعة الشخصيات الهامة وتنفيذ ما يتناقض مع ضمائرهم وما يتعارض مع مبدأ عدم إيذاء الآخرين، منوهاً الباش إلى وجود خط درامي آخر في المسرحية تشكله علاقات حب ومثلثات غرامية تربط شخصيات المسرحية الأربع، حيث تكشف التجربة الطبيعة الحقيقية لكل شخصية، مما يؤثر جدياً على مصير العلاقات فيما بينهم.

إيهام المتفرجين
وانطلاقاً من إيمان الباش أن العرض المسرحي يبنيه فريق ومجموعة من الفنانين يفكرون ويجربون ويصلون معاً، يؤكد أنه لم يفكر كمخرج لوحده، ولم يتخيل صوراً شكلانية في البيت ليطبقها فيما بعد على الخشبة، مبيناً أنه مع كل عرض جديد يرغب كمخرج أن يحتل دوراً أصغر في العملية الإبداعية كي يترك مجالاً أكبر لبقية المشاركين.. من هنا يؤكد أنه اختار وفريق العمل الشكل الواقعي في الديكور والأدوات والأداء لقناعته أن الإمعان في إيهام المتفرجين سيزيد من تأثير العرض، وبالتالي سيساعد على إيصال فكرته الأساسية.. من هنا تمّ تبييء المسرحية وإيجاد معادلات سورية للنص الروسي.. وبما أن أحداث المسرحية هي أحداث تجربة نفسية تقام في مختبر كان لا بدّ لفريق العمل من زيارة المخابر في كلية التربية بجامعة دمشق، وقد حضروا العديد من المحاضرات، وشاركوا في النقاشات، وتجولوا في الردهات لالتقاط الأجواء بين الطلاب والأساتذة، كما زار سينوغراف العرض الفنان محمود داوود بعض هذه المخابر وعاد ليحول أستوديو مدرسة الفن المسرحي إلى مخبر عتيق يحاكي مختبرات جامعة دمشق، ويسعد الباش أنه شارك في هذا العمل أربعة ممثلين محترفين كانوا من خيرة طلابه في المعهد العالي للفنون المسرحية: توليب حمودة وفرح الدبيات وكرم حنون الذي كان واحداً من أفضل طلاب مدرسة الفن المسرحي وتميز في كافة الشخصيات التي لعبها ولمع في مشروع تخرجه من المدرسة بشكل ملفت في تجسيد دور أريستارخ في مسرحية “المنتحر” التي أخرجها الباش وقُدمت على مسرح الحمراء بدمشق، أما الممثل الرابع فهو أوس وفائي الذي تميز أيضاً أثناء دراسته في مدرسة الفن المسرحي وجسَّد دور البطولة في مسرحية “المنتحر”.

مدرسة الفن المسرحي
يشير د.الباش وهو مدير مدرسة الفن المسرحي إلى أنها تأسست عام 2009 وتخرج فيها حتى الآن خمس دفعات من الطلاب، بعضهم رفد الساحة الفنية، وعدد آخر سافر أو التحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية، مؤكداً أن المدرسة منذ تأسيسها وحتى الآن تتطور ولكن ليس بالسرعة المطلوبة، والسبب يعود بالدرجة الأولى برأيه إلى أن المدرسة لا تملك ترخيصَ معهدٍ معترَفٍ بالشهادة التي يمنحها لضعف إمكانياتها المادية، لذلك تقوم المدرسة على مبادرة فردية تحاول البقاء على الأقساط البسيطة التي يدفعها الطلاب لأنها لا تملك دعماً مادياً على الرغم من أنها تضم أهم الخبرات في هذا المجال، مبيناً أن أهم أهداف المدرسة تشكيل فريق مسرحي محترف يضم مجموعة متآلفة من خريجي المدرسة بالدرجة الأولى، ويمكن أن تضم أيضاً عدداً من خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية الموهوبين والذين يميلون في طريقة عملهم نحو المدرسة النفسية الروسية التي تربي المدرسة ممثليها عليها كمقدمة ليبدؤوا بتقديم تجارب مسرحية وعروض جماهيرية ضمن برنامج سنوي مدروس.
أمينة عباس