ثقافةصحيفة البعث

“انثيالات الشعر– الطفولة- الحياة” تنويعـــــات في الشــــــــــعر والأدب

جمالية عنوان الكتاب الجديد للشاعر طلال الغوّار تشدّ القارئ إلى معانيها المنسابة مثل حبال المطر في”انثيالات الشعر –الطفولة – الحياة” الصادر عن دار أمل الجديدة لعام 2019، وتنسحب جمالية العنوان إلى العناوين الفرعية المنوّعة بين القصائد والمقالات والخواطر والوجدانيات الخاصة به، فاتسمت القصائد النثرية التي كتبها الغوّار برومانسية العناوين التي تشي بمضمونها مثل حلم وليل وبوح ونزيف، وباحت بمكنوناته وهواجسه وتساؤلاته الرمزية التي أخفت الكثير من المعاني، كما في قصيدة دخان:
أنا، ما اقتطعت من الغابة/غصناً/وأشعلتُ فيه اللهب/فمن أين لي/كل هذا الدخان/ومن أين لي/ كل هذا الحطب؟
وبدا الاقتباس في إحدى القصائد التي تضمنها الكتاب بعنوان مأخوذ من أغنية فيروز”أنا عندي حنين ما بعرف لمين” صوّر فيها حالات مختلفة من الحنين لزمن ماض لطفولته، لوالده، لصبية أحبها، ليصل إلى تحليل معاني الحنين ويشبهه بومضة تبرق فجأة.
“ما أغربك أيها الحنين/وما أوجعك/تباغتني في لحظات عابرة/أحياناً من فاصلة في قصيدة”.
ومن قصائد عدة تضمنها الكتاب يدخل إلى متن قصيدة النثر فيرى أن هناك تناقضاً فعلياً بالاسم، فقصيدة النثر تسمية دخيلة على الأدب العربي، وأدونيس هو أول من عرّب المصطلح واستعمله في اللغة العربية بعد أن ترجم كتاب قصيدة النثر لسوزان برنار، وتتعرض قصيدة النثر لإشكاليات منها أن الكثير من ضعاف الموهبة وجدوا فيها عملاً سهلاً لتحررهم من الأوزان الشعرية المعروفة، وهم يفتقدون إلى معرفة الوزن الشعري والمعايير الشعرية الأخرى باستخدام التفعيلة، ولا يمتلكون الخلفية الثقافية والحساسية الفنية والمعرفية التي تجعلهم مؤهلين لكتابتها.
ولم تكن قصيدة النثر محور اهتمام الكاتب كونه يكتبها، إذ تناول المفهوم التقليدي للشعر الذي يحدد من خلال الوزن والقافية، إلا أن بعض القصائد تفوقت بهما وافتقرت إلى حرارة الشعر، فمعايير الشعر ليست مقترنة بالوزن والقافية فقط، وإنما ثمة معايير أخرى متعلقة بالطاقة التعبيرية للغة وبإمكانية استنفار الطاقة الاستعارية فيها، وخلق العلاقات المغايرة للمألوف.
وتطرق إلى العلاقة بين التناص والشعر فليس ثمة نص صاف يكتبه الشاعر، فهو مجموعة أصوات يصهرها بنبرات صوته لتخرج في صوت واحد متميز يحمل بصمته، فكثيرة هي المواقف والمفاجآت التي تشكّل مشروعاً كتابياً، يؤسس لكتابة النص.
كما شغلت الظواهر النقدية حيزاً كما في “غرائب” التي دوّن فيها الكاتب ملاحظاته عن بعض المؤسسات والمنظمات والتجمعات الثقافية والأدبية حديثة العهد، التي ظهرت في العراق وامتدت إلى البلاد العربية للاحتفاء المذهل بتكريم بعض الأدباء بشهادة الدكتوراه الفخرية وهم لم يحصلوا على الشهادة الإعدادية، ومنهم من استغل صفحات التواصل الاجتماعي ونشروا كتاباتهم وعقدوا اتفاقيات خاصة مع هذه المؤسسات.
وقد خصّ دمشق بنص خاص “قاسيون” تغنى فيه بأحد معالم دمشق وأحد رموز كبريائها وعزتها جبل قاسيون، “قمته تعزف تاريخاً طويلاً من التحدي والثبات” وبحوارية صغيرة مع مايا ربط بين التاريخ والحاضر الذي يحمل قيمة تاريخية أيضاً” بعد ثمان سنوات من الحرب، الحرب الظالمة وقاسيون يعود مغتسلاً بنور النصر”.
وكانت بغداد حاضرة في تاريخها المعاصر كما في بغداد بعد 2003.
ومن أجمل صفحات الكتاب الحوار الذي أُجري مع الكاتب في جريدة الصباح الجديد وتضمن الكثير من الوجدانيات والوقفة مع الذات بسؤاله متى يقسو قلبك؟ فيجيب: يقسو حينما لم أجد بغداد في بغداد، ويلين حيث تشير إليّ ابتسامة طفل.

ملده شويكاني