دراساتصحيفة البعث

فلاديمير بوتين ينتقد “الليبرالية البالية”

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع إستراتيجيك كلتشر 4/7/2019

كان لدى الرئيس الروسي بعض التعليقات الصريحة حول حالة الديمقراطيات الغربية المقيّدة بالأفكار الليبرالية، والتي اعتبر بوتين أنه “عفا عليها الزمن”. فما الذي يمنع القادة الغربيين من اتخاذ الموقف نفسه؟!.

عشية قمة مجموعة العشرين في اليابان الأسبوع الماضي، جلس فلاديمير بوتين لإجراء مقابلة مطوّلة في الكرملين مع صحيفة فاينانشال تايمز، ومن بين القضايا العديدة التي تمّ التطرق إليها النقاش الصريح حول الليبرالية في العواصم الغربية. ففي سياق القضية التي طرحها بوتين أكد أن هدف الحكومة هو بناء “حياة مستقرة وطبيعية وآمنة وبنمطٍ يمكن التنبؤ به من قبل الشعب والعمل من أجل مستقبل أفضل”. قارن بوتين هذا الهدف بالليبرالية في الغرب، حيث أعرب عن رأيه في الليبرالية بالقول: “لقد عاشت الليبرالية أكثر مما ينبغي واستنفدت غايتها”. وأشار بوتين إلى سياسة الهجرة الكارثية التي قادتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بالسماح لأعداد لا حصر لها من الشعوب غير الموثقة بإغراق القارة الأوروبية، وتساءل: كم من هذه الأرقام سوف تتحول في المستقبل إلى إرهابيين. هل يستطيع أيّ منا التكهن؟!. “عندما وصلت مشكلة الهجرة إلى ذروتها اعترف الكثير من الناس أن سياسة التعددية الثقافية ليست فعالة، وأنه ينبغي النظر في مصالح السكان الأساسيين” قال الزعيم الروسي. ومضى قائلاً: إنه على الرغم من أن العديد من الأشخاص في الدول الأجنبية “يحتاجون إلى مساعدتنا” إلا أنني أتساءل عن سبب فشل الزعماء الغربيين في النظر إلى “مصالح شعوبهم”، وخاصة بعد أن تصاعد عدد المهاجرين الذين يهاجرون إلى أوروبا الغربية على هذا النحو، فهم “ليس مجرد حفنة من الناس ولكن الآلاف أو مئات الآلاف!”، ولا حاجة للتنبؤ عن أصداء هذا التصريح في العواصم الغربية، حيث إن مجرد التشكيك في فكرة الحدود المفتوحة عملياً يشبه العنصرية.

جاء الردّ من دونالد تاسك رئيس وزراء بولندا السابق الذي يشغل الآن منصب رئيس المجلس الأوروبي -وهو بالمناسبة لم ينتخب بموافقة ديمقراطية- ولكن تمّ تعيينه في المجلس الأوروبي والذي أعرب عن موقفه المعارض بصورة سريعة وغاضبة على تأكيد بوتين بأن “الليبرالية عفا عليها الزمن”. وقال تاسك في قمة مجموعة العشرين في اليابان: “كل من يدّعي أن الديمقراطية الليبرالية عفا عليها الزمن كأنه يدّعي أن الحريات عفا عليها الزمن، وأن سيادة القانون عفا عليها الزمن، وأن حقوق الإنسان عفا عليها الزمن”، وهذا ما لم يقبله بوتين مطلقاً، فوجهة نظره الواضحة والثابتة تؤكد أنه في ظلّ القرار المنفرد بالسماح للمهاجرين غير الشرعيين بدخول الاتحاد الأوروبي عندئذٍ فقط ستكون سيادة القانون وحقوق الإنسان قد عفا عليها الزمن، فعلى الرغم من أن الكثيرين ينادون بـ”حقوق” المهاجرين إلا أن قلّة في الغرب من يتحدث عن احتياجات السكان المحليين الذين يقعون بالفعل ضحية لتدفق المهاجرين، حتى أنه لم يكن هناك أي إجماع ديمقراطي قبل فتح الحدود الأوروبية واستغلال مئات الآلاف من الأجانب الهاربين لنظام الرعاية الاجتماعية السخي في أوروبا.

وعندما سُئل بوتين عما إذا كانت أنجيلا ميركل قد ارتكبت خطأ من خلال الموافقة على فتح حدود أوروبا أمام تدفق المهاجرين دون عوائق، كانت إجابة الرئيس الروسي واضحة بشكل لا لبس فيه. “خطأ حقيقي”. وأضاف في هذه المرحلة يجب في المقام الأول طرح سؤال رئيسي حول سبب السماح لميركل ورؤساء الدول الأوروبية الآخرين مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بهذا الغزو، ولاسيما عندما يتعارض بوضوح مع المصالح الوطنية، فما الذي أثر على عملية صنع القرار؟! هل كان له علاقة بما التزم به القادة الغربيون في اجتماعات بيلدربيرغ السنوية التي تُعقد دائماً خلف أبواب مغلقة؟! أو ربما كان المموّل ورجل الأعمال اليهودي والمضارب الأكبر في العالم جورج سوروس والذي لم يخفِ جهوده لجذب المهاجرين غير الشرعيين إلى الشواطئ الأوروبية، وذلك عبر المؤسسة  الأخطر التي يمتلكها تحت اسم” المجتمع المفتوح” التي أسّسها لتكون واجهة لأهداف غير معلنة، والتي التقت بأعضاء المفوضية الأوروبية مئات المرات على مدار العقد الماضي.

المجموعة غير الهادفة للربح والتي حصلت مؤخراً على دعم هائل بقيمة 18 مليار دولار من سوروس نفسه والذي يدّعي نشر الديمقراطية وحقوق الأقليات، وصياغة قائمة تضمّ أكثر من 200 من الحلفاء الموثوق بهم في برلمان الاتحاد الأوروبي الذين يشاركونه النظرة المشوهة للعالم، هل كان هذا هو ما دفع بروكسل إلى خفض خندقها في مواجهة الغزو الفعلي؟ في الحقيقة إن مثل هذه الأسئلة غير المريحة يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار لأنها تطرح تساؤلاً مهماً عن حالة الديمقراطية الغربية التي لم تعد تستجيب لإرادة الناس، بل لإرادة أولئك الذين لديهم أكبر قدر من الأموال لينفقوها. فإذا أخذنا بعين الاعتبار خيار استطلاعات الرأي فإن النتائج ستُظهر بالتأكيد رفض الأوروبيين لـ”خطة ميركل”. غير أن المثير للدهشة أن العديد من الغربيين لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع روسيا والزعيم الروسي، لكن لسوء الحظ نادراً ما تقدم وسائل الإعلام الرئيسية وجهات نظر بوتين بطريقة موضوعية ومحايدة، ولا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئاً فعلى ما يبدو أن للعالم الغربي أجندة، أجندة مفرطة في الليبرالية محمّلة بتجارب ثقافية خطيرة لا يريدها معظم الناس. فالسياسيون الغربيون يملكون أسياداً آخرين يتطلعون إلى استرضائهم واستجدائهم بغض النظر عن جمهور الناخبين.