ثقافةصحيفة البعث

وعكـــــة غراميــــــة

لا اشعر بالذنب عندما اذهب إلى السينما بمفردي، ولا يستهويني أن أدعو زميلتي في العمل لمشاهدة فيلمي المفضل الذي سيعرض هذا المساء.. هنالك الكثير من الفتية يجلسون في أحضان عشيقاتهم في الصف الأخير من الصالة، وأنا جلست في الصف الأول للاندماج أكثر بتفاصيل الفيلم.

لقد أتممت مراحل الدراسة كلها ولم أقتنص هذه الفرصة مطلقا، ومن جهة أخرى يبدو أن أسباب الفرصة لم تتوفر أصلا، إذ انه من المعلوم أن الحبيبة الخائفة جدا لن تؤدي أي طقس غرامي بليونة أو انسجام، لذا قررت انتظار حظي أن يرسل لي بصبية تمتلك من الجرأة ما يفوق توقعاتي وقد أثمر ذلك الصبر عن قطعة حلوى محشوة بالشوكولا لها رائحة توت العليق والزنجبيل.

على الرصيف المطل على مرفأ اللاذقية سمعت أصواتاً قديمة اعرفها تماماً.. لا أدري أي هذه الأصوات كانت الأحب إلى قلبي.. كلها.. كلها.. إنها أصوات من رحلوا من ذاك المكان بعد لقاء أو قبلة أو حفل رأس السنة.. كل تلك المشاريع تجد تاريخاً لها هناك في تلك البقعه تحديداً.

آخر ذكرياتي كانت في ربيع ١٩٧٩ كانت روزا فتاة متهورة وعفوية، لقد أمسكت بيدي ومشت في الشارع المزدحم دون اكتراث.. قلت لها وأنا منتشياً بحضورها الساحر: إذا كان الأمر لي.. فأنا أدعو أن تنبش كل الأرصفة التي يحتمل أن يعبرها حبيبين. ضحكت روزا عالياً.. لماذا؟ أجبتها: لأني أحببتك يا صبية. ها.. وكيف تحبني.. بنبش الأرصفة؟! سألت.

نعم.. هذا هو ما أسميه التآمر على الحوادث الغرامية.. لتتخيلي معي لو انك تتعثرين كل دقيقة أو دقيقتين، ستحتاجين لمعونة ما، وستمسكين بذراعي على أقل تقدير، وقد يصل العمق الغرامي للحفر إلى درجة قد تسقطين فيها على الأرض حيث أتدخل  لاحتضانك ومنعك من السقوط، وتقديم القرابين للألم كي لا يزداد، فأقبلك وأدك أصابعي بين خصلات شعرك الليلي فأتلمس أشيائي المحببة، ومرة أخرى تتعثرين وأحتضنك وهكذا.. أتريد تفكيك عظامي.. ماذا حل بك؟

اسمعيني أرجوك.. لا أبحث عن قبلٍ آخذها بدون أحداث كبرى، هكذا على البيعة مثلا، هي القبل بظروفها يا صبية، وأجملها تلك التي تفصل بين الحياة والموت، أو التي تؤدي إلى حادث سير، أو أن حبيبين نسيا شعلة الفرن متقدة مما أدى إلى نشوب حريق كبير في المنزل. هكذا أقصد يا روزا.. أنت اسمعني جيدا، أريد احتضانك بسلام وهدوء، على ضوء شمعة ولحن لطيف لفيروز.. أنا لا أشبهك مطلقاً.. أنت مزاجي وسريع العطب وأنا كالثلج بيضاء وباردة.. أنت تختبر صلابتك وأنا أتعوذ من ليني.. أنا أبسط مما تتخيل وأعقد ما ستختبر. ثم لفت يدها حول خصري وقبلتني على جبيني، وعندما ذهب الحياء تماما استدرت لتقبيلها بسرعة قبل أن تغير رأيها، وإذا برأسي يرتطم بحافة السرير عند الساعة السادسة صباحا قبل موعد الاستيقاظ بساعة تقريبا.. لقد افلتت روزا ومشت ثم ابتعدت.. ثم تلاشت.

المثنى علوش