أخبارصحيفة البعث

ترامب.. الجباية والوظائف مجدّداً

 

لا يكف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن التفكير لحظة في كيفية الحصول على أكبر قدر ممكن من أموال ممالك الخليج، فالاستثمار في الخطر الإيراني المزعوم، وتقديم الحماية مقابل المال، هما العنصران الأكثر رواجاً في سياسته. فبعد عام ونيف من الانسحاب من الاتفاق النووي مع طهران، واستنفاد كل ما هو ممكن من حزم العقوبات التي يمكن فرضها، لدفع طهران للتنازل عن حقوقها التي كفلها الاتفاق الموقّع مع الدول الكبرى، عمد ترامب وفريق صقوره إلى تغيير منحى اتهام طهران من الإخلال بالاتفاق النووي إلى تهديد تدفق النفط والغاز إلى دول العالم كونها تشرف على مضيق هرمز، حيث صعّدت واشنطن من حربها ضد الجمهورية الإيرانية، وقادت حملة دولية منظّمة للتهويل من خطر إطلالة طهران على أهم ممر لعبور الطاقة “28% من النفط العالمي يمر من خلاله”، فزادت من حضورها العسكري في الخليج، وأرسلت البوارج الحربية ونحو 1500 جندي مارينز بداية، ليكون آخرها ما تمّ الإعلان عنه بالأمس عن إرسال 500 جندي إضافي – هدفه وفقاً للقيادة المركزية الوسطى – حماية أمن معابر الطاقة!.
ولأن ترامب لا يحب الدفع، فقد دعا الحلفاء للمشاركة في تشكيل قوة دولية لحماية أمن المعابر، في محاولة غايتها كسب المزيد من أموال الخليج، ولاسيما أن أمريكا ستكون القائدة لتلك القوة، والأمر الأكثر خطورة هو التحكم بالمعابر الدولية ليس فقط مضيق هرمز، وإنما باب المندب وجبل طارق وقناة السويس، بمعنى آخر السيطرة المطلقة على المعابر حول العالم، والتحكم بسوق الطاقة، والدليل ما جرى مؤخراً في مضيق هرمز بالتحديد.
فبعد إسقاط الحرس الثوري طائرة التجسس الأمريكية التي اخترقت الأجواء الإيرانية، قفزت أسعار النفط إلى مستويات قياسية، وارتبكت الأسواق العالمية، وعليه فإن المعركة التي تقودها الولايات المتحدة اليوم في الخليج ذات أبعاد متعدّدة، ولكن هل تنجح في استدراج العالم إلى كارثة كبرى في المنطقة؟.
ما هو واضح لغاية الآن أن القوى الدولية، وعلى رأسها الدول الأوروبية، رفضت المقترح الأمريكي صراحة، فألمانيا أعلنت عدم إرسالها جنوداً إلى سورية والخليج، وإسبانيا أعادت المدمّرة قبل أن تصل مياه الخليج، يبقى فقط بريطانيا، التي على ما يبدو متحمسة جداً للأفكار الأمريكية، فشاركت وبقوة في تأجيج الموقف مع طهران من خلال احتجاز ناقلة النفط “غرايس” في مضيق جبل طارق، كما أعلنت بالأمس وزيرة دفاعها الجديدة، والتي استقدمت للعب دور استفزازي، أن “لندن على حق في قلقها على حماية تجارتها في مضيق هرمز”، ولكن هل يكفي ذلك؟.
لقد أكدت روسيا عبر وزير خارجيتها أن “تفاقم التوتر في المنطقة سببه السياسة المسعورة المعادية لإيران التي تنتهجها واشنطن.. ولكن روسيا لن تجلس مكتوفة اليدين”، ما يعني أن الدول الكبرى متنبهة لما تريده واشنطن في الخليج، وأن التهويل ومحاولات شيطنة إيران لن تنفع في جر العالم نحو مواجهة معها، ومن يدري ربما الكل ينتظر أن يرى انكساراً أمريكياً جديداً على غرار ما حصل بعد إسقاط طائرة التجسس من ضياع هيبة أمريكية. لكن ترامب كما يبدو لا تعنيه الهيبة، ولا يريد من كل ذلك سوى الجباية والوظائف.. الوظائف.. الوظائف، كما أعلنها مرة بحضور حكام لا يعرفون سوى الدفع من أموال الشعب كثمن للبقاء.
سنان حسن