ثقافةصحيفة البعث

توهج القصيدة الوطنية.. رسائل صابر فلحوط شاهداً

لم تزل القصيدة تحمل مبررات استمرارها حين تلامس القلوب أو تستنهض الهمم والخطب جسيم، أو وهي تندد بالذل والخنوع والهوان.
حين قرأت للمرة الثانية رسائل الشاعر صابر فلحوط إلى قانا والقنيطرة والقدس، محطات الوجع القومي الأكثر إيلاما، وجدتها تتوهج كالجمر تعبر القلب دون استئذان وتخاطب الروح برجاحة عقل، وهي تدرك ما ألّم بنا من خطوب وما نعانيه من إحباط وبث منظم ومدروس لليأس. فما السر؟ وأين يكمن جمال القصيدة الوطنية والقومية، وعندي أن القدس وقانا كالقنيطرة في قلوب وعقول ووجدان الإنسان السوري الذي لن تبدله هذه الطافيات من سلوك الأشقاء وإن كن جارحات حد البؤس. ففي أسطورة الجنوب وهي فاتحة القريض، ما نبه وحذر منه الشاعر حرصا على عدم الرهان فهؤلاء كما وصفهم:
“أقفل المذياع والتلفاز/لا تسمع نعيق البوم/من هذي القصور الفاجرة/وتلفت فالدم المسفوح شلال من الأضواء/يرمي عتمة اليأس/الذي استوطن أعماق القلوب الفاجرة”.
وفي تقاسيم على كمان الجرح، تتضح نبوءة الشاعر كما لو أنه لطول معاناة وجراح خبرة أدرك تخليهم عنا وعن قضايانا وهاهم يهرلون إلى خندق العدو:
أتصحو أم فؤادك غير صاح
ولم يبق سواك بلا انبطاح
وقفت كما الضحى العريان تزهو
تنادي الربع حيّ على الفلاح
وهنا أرى شاعرنا يباري المتنبي وفحول العربية:
ورحت تصادم الثقلين فردا
كليل الناب مخضوب الجناح
وها هو يناشد رفاق الدرب ولا تخلو من نبوءة:
رومان.. روم أمام الخيل ترصده
عين الرقيب وروم بيننا جثما
وحين يتطلع إلى قانا وتلك الدماء الطاهرة والعدوان الهمجي الذي انحسر بعد تموز الفخار فلا بد من همسة ص34
“قانا.. تصيح وصوتها نهران/من صلف وكبر/رشوا جفون الورد/رشوها على أضلاع قبري/أنا لم أمت إلا/لأبعث ثورة في كل صدر” وللجولان يحدو ويغني ويهتف صابر المناضل والشاعر والصحفي والإنسان:
لك المجد ما حمحمت خيلنا/وصالت سيوف/وثارت زحوف/وشق سقوف السما/طارق يسائل عن نجمة لم تزل/تعاني الشرود/وظلم الرفاق… ص105، كما لم يغفل الشاعر عن هموم ومعاناة أمته العربية فيدخل في جدل مع الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري في قصيدة من عيون القصائد العربية وأكثرها إدراكا لواقع وحال الأمة وسبل خروجها من محنتها يقول فلحوط:
أفأمة هذي التي هزمت
وتناثرت وكأنها أمم
يسطو على صنم بها صنم
ويغار من علم بها علم
تتصف قصائد المجموعة بحميمية العلاقة ما بين الشاعر والنص أو الغرض الشعري، فهو الابن البار للمدرسة القومية الخالدة مدرسة البعث العربي الاشتراكي، وصاحب مواقف نضالية منذ مطلع شبابه وتجرده من كل الأمراض الاجتماعية البغيضة، من طائفية أو مذهبية أو عشائرية.
وفي كثير من قصائدها نسيج على منوال المعلقات والمذهبات من قصائد الأقدمين الأفذاذ في تقصد واضح للمواءمة بين المضمون والشكل المناسب له، وهو في كل ما ينشد سيل مفردات متدفق مع شلال من الصور والمحسنات الجمالية للقصيدة بتوازن لا يسمح بطغيان أمر على آخر.. وهو الشاعر المجيد أطال الله عمره..

رياض طبرة