ثقافةصحيفة البعث

“ثقافة المقاومة.. الدور والمرتجى”

المقاومة ليست بالبندقية فقط بل للكلمة أثرها وللصورة كذلك، فكم من القصائد والروايات والقصص والأفلام السينمائية التي تصور بطولات المقاومة، وكم من الأعمال الأدبية كان لها الفضل في تقديم الصورة الحقيقية لنضال الشعب الفلسطيني في سبيل حقه المشروع، من هنا كانت الندوة الحوارية التي أقامتها جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية بعنوان “ثقافة المقاومة الدور والمرتجى” وبداية تحدث الباحث بسام عليان حول “ثقافة المقاومة مابين الفكر والممارسة” والمقاومة كمفهوم إنساني وحق مشروع في الأعراف له ضوابطه وآدابه، فهي فعل مجتمعي واع ضد واقع مرفوض أو غير مشروع، معتبراً أن ثقافة المقاومة هي ثقافة الإنسان المناضل في سبيل القضايا الإنسانية العادلة، وتراثنا الثقافي يزخر بالكثير من الظواهر المتنوعة في مجال المقاومة يتفاعل معها الناس وترتبط بقدرتها على تحقيق أهدافها واحتضان المجتمع لها، وهذا يتزامن مع وجود بنية تنظيمية متماسكة وقيادة مؤمنة بفكرة المقاومة.
الفكرة الأساسية التي توقف عندها عليان هي ضرورة وجود فكرة واعية قبل الممارسة لعمل المقاومة، فالفكرة تشكل الهادي النظري لها خاصة أن التجارب الاجتماعية لا تعيش في عزلة عن بعضها وإنما كجزء من الحضارة الإنسانية، فالثقافة والمقاومة وثقافة المقاومة تنتقل من مكان لآخر، وتشمل المقاومة كما رأى عليان الدفاع عن كل ما هو نبيل وجميل فالحب في زمن الكره مقاومة والصدق في زمن الكذب ورفض التطبيع والفكر التكفيري ليس سوى مقاومة ولابد من الوعي الموضوعي للتحديات التي تواجه الوطن والإنسان مع إدراك واع للواقع وتقديم ثقافة مقاومة بديلة ومضادة للهيمنة وانتهاك حريات الشعوب وهذا يمكن أن تساهم فيه الأسرة وكذلك المؤسسات التربوية والتعليمية، وأشار عليان إلى تجليات في الوعي المجتمعي شهدناها في فلسطين المحتلة كاستمرار المعلم الفلسطيني في تدريس الطلاب أمام المدرسة التي هدمها الاحتلال، ولفت عليان إلى التعثر في مشروع مقاومة الاحتلال في الخطاب المعلن وفي البرامج التي طرحت والتعثر في التوافق على الأسلوب الناظم للفعل المقاوم حتى في الحيز الثقافي انقسام الكتاب بانتماءات لهذا الفصيل أو ذاك، وختم بالتأكيد على أن التحديات التي نواجهها اليوم تتطلب البحث في أسئلة إشكالية وتقديم إجابات غير نمطية تجاه ثقافة المقاومة لتطويرها وإعادة الاعتبار إليها وتوطينها في ثقافتنا العامة.
ورأى الشاعر رضوان قاسم في محور”الأدب الملتزم والكلمة المقاومة” أن المقاومة كانت تتعرض في الماضي للمؤامرات الخارجية وكانت تؤيدها حينها الكثير من دول العالم أما الآن فنحن نعيش في زمن التطبيع ومحاولات لخلق بدائل عن المقاومة الشرعية للشعب الفلسطيني وللشعوب العربية، وأشار قاسم إلى أن أشكال المقاومة تتعدد بالريشة والقلم إلى جانب البندقية لما للأدب من دور في تحفيز الهمم وبرز مفهوم الأدب الملتزم المقاوم في العصر الحديث بشكل ملفت، وبدا بشكل كبير في القضية الفلسطينية وأكثر من مثل ذلك الشهيد غسان كنفاني في كتابه “الأدب الفلسطيني المقاوم”، فالأدب المقاوم هو المعبر عن الذات الواعية لهويتها على أن يضع الكاتب نصب عينيه أمته، ولفت قاسم إلى الدور الكبير الذي لعبه الأدب في معركة الشعب الفلسطيني ضد المحتل بما حمله من قيم التمسك بالهوية وعدم مغادرة الوطن وقدم الكثير من الأمثلة عن ذلك في مجالات الشعر والقصة والرواية.
وفي المحور الأخير الذي حمل عنوان “محطات في الدراما والفن المقاوم” تحدث الناقد عمر جمعة عن دور الثورة الإيرانية التي لم تكن ثورة دينية فقط كما صورها البعض بل كانت أيضاً سياسية واجتماعية وفكرية انعكست آثارها الإيجابية على كل مناحي المجتمع، وعن السينما الفلسطينية التي كانت أداة مواجهة في فترة من الفترات، وتحدث جمعة عن غياب الأفلام التوثيقية والتعبوية التي كانت توثق الأعمال البطولية والاستشهادية، معتبراً أن السينما الفلسطينية محاصرة اليوم صهيونياً ولم تستطع أن تحقق هدفها وتترك الأثر المرجو، لكن كان للسينما الإيرانية وللسينما والدراما السورية دور كبير في سد هذا النقص وبالحديث عن السينما الإيرانية، وأكد جمعة أنه بعد عام 1986 تقدم الكثير من المخرجين الإيرانيين منهم محسن مخملباف – إبراهيم حاتمي كوي- محي مجدي- أبو الفضل الجليلي- رواد عباس كيروستامي، ولم يقتصر ذلك على الرجال بل تقدمت الكثير من النساء إلى المشهد السينمائي وكان هناك الكثير من الأفلام التي خدمت القضية الفلسطينية منها فيلم المخرج برويز شيخ طادي “صياد السبت” الذي تغلغل في بنية المجتمع الإسرائيلي الدينية وقدم التطرف الديني لدى حاخام يهودي يدفع حفيده لممارسة الإجرام باسم الدين وهو من الأفلام التي قدمت رؤية عميقة لجذور الصراع الفلسطيني مع العدو الإسرائيلي، وهناك المخرج مسعود أطيابي الذي قدم فيلم حبل كالوريد. أما عن السينما والدراما في سورية فقد رأى جمعة أنه لم يكن يمر موسم درامي أو سينمائي إلا ويكون فيه حضور للقضية الفلسطينية، لكن مع الأسف ومنذ عشر سنوات عندما تدخل المال الخليجي في الإنتاج الدرامي استطاع أن يجهض كل المشروعات التي يمكن أن تتحدث عن فلسطين لصالح أفلام ومسلسلات سطحية، وعاد جمعة إلى فترة تاريخية سابقة عندما قدمت ثلاثية “رجال تحت الشمس” عن رواية غسان كنفاني وتحويل رواية “فيما تبقى لكم” لفيلم وهناك أيضاً “كفر قاسم” الذي أخرجه برهان علوية وفيلم “الأبطال يولدون مرتين” وفيلم “عائد إلى حيفا”. وفي مجال الدراما التلفزيونية من الأعمال التي ذكرها جمعة “نهارات الدفلي” وهناك اليوم مجموعة من المشروعات المهمة كتجربة المخرج باسل الخطيب الذي قدم أكثر من عمل مهم منها “عائد إلى حيفا –رسائل الحب والحرب – التغريبة الفلسطينية” وكان هناك حضور مركزي للقضية الفلسطينية في أعمال كسفر الحجارة وفي حضرة الغياب.

جلال نديم صالح