ثقافةصحيفة البعث

مــن وحـــي الرياضــــة

فاض الضجيج من حولي حتى كدت أصرخ فيهم ولكني لم أقوَ على ذلك، لا أعلم ما الذي حصل؟. فجأة أحسستُ بجسدي يتحرك وكأن هناك من يحمله، أيادٍ كثيرة أمسكت بجسدي النحيل ونقلتني شيئاً فشيئاً حتى وصلت إلى سيارة الإسعاف. بدأ ضجيج الناس يقلّ ويتعالى بدلاً عنه صوت سيارة الإسعاف تشق شوارع المدينة، وبدأت أمواج بحر اللاذقية تتلاطم في رأسي وتأخذني إلى حيث البداية حين كنت جندياً في مدينة حلب في أكثر الأوقات صعوبة وحين اشتدت ضراوة المعركة فيها.
ثماني سنوات من الحرب.. حربٌ ما أقساها من كلمة تأتي على كل ما يمرّ في طريقها فلا تبقي ولا تذر، عانيت فيها الكثير من حصار وجوع ولعلّ الأقسى أن أفقد رفاقي الواحد تلو الآخر، سنواتٌ مرت وأنا أدافع عن تراب وطني بكل ما أوتيت من قوة حتى صدر قرار تسريحي من الخدمة العسكرية، لأقرر بناء الأسرة التي طالما حلمت بها، تعرفتُ عليها، نزل الحب بي كصاعقة نزلت من السماء وأحاطت بتلابيب قلبي لأشعر بالسكينة بعدها كما تهدأ الأرض بعد زلزال يصيبها ، توسمت فيها المرأة التي ستبني بيتي وتؤسسه بالمحبة، وكان لي ما أردت وكلما جاء يوم جديد أوقن أني أحسنت الاختيار فقد ملأت حياتي بالحب والمودة اللذين كنت بأمس الحاجة لهما بعد سنين من عذاباتي في الحرب، فالمرأة وطن وقد كانت وطني وملاذي وأمّاً لابني الذي لم يتجاوز عامه الأول “حمدي” يا فرحة عمري وقلبي النابض بالحياة، كم أتوق لأن أمنحك ما تحتاج من محبتي ورعايتي وشبابي. لكن، لا أعلم ما حصل؟ أشعر بضيق في التنفس.. ضوء قوي مقابل وجهي
أين أنا؟ لست أدري، وكأني أسمع صوت طبيب يقول: تهتّك حاد في الرئة نجم عن انفجار ألعاب نارية في صدر المريض..
آه.. إنني المريض إذاً، وأنا في غرفة العمليات.
منذ زمن بعيد لم أذهب إلى الملعب لحضور مباراة لكرة القدم، لكن مباراة اليوم كانت في دورة ودية ولم يتوقع أحد أن يحدث بها أية مشاكل، تلك المشاكل التي تلازم ديربي اللاذقية بين تشرين وحطين، أقنعني صديقي بالذهاب ولم أكن أعلم أنها المباراة الأخيرة لي، والتي خرجت منها خاسراً.. خاسراً لحياتي، لأسرتي، لابني الذي لم يسعفني الوقت لأعطه ما يستحق..
لم أرزق بالشهادة في الحرب ولكني الآن أموت شهيدا, شهيدٌ من نوع آخر، إنني اليوم شهيد الرياضة. كسبت تعاطف اللاذقية كلها لكني خسرت حياتي ولست أدري إلى متى سيبقى لنا مع الموت لقاء حتى في ألعابنا وأفراحنا.. سأشتاقكم كثيراً يا أهلي في اللاذقية، لا تنسوا ابنكم المحب عبد الحليم.
مها صالح حمودي