أخبارصحيفة البعث

مأزق جونسون

وجد رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون نفسه في مأزق لا يحسد عليه بعدما مني بهزيمة مدوية في البرلمان أمام “متمردي” حزب المحافظين ونواب المعارضة في المرحلة الأولى من محاولتهم سن قانون يهدف إلى منع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق.

وأمام تلك الهزيمة المبكرة، اتهم جونسون البرلمان بإضاعة المزيد من الوقت، وإعطاء المزيد من نقاط القوة للاتحاد الأوروبي، ملوّحاً بإجراء انتخابات مبكرة، ما يعني أنه يستشعر الخطر، وهدف جونسون الآن هو نقل أرض المعركة من البرلمان إلى صناديق الاقتراع على امتداد البلاد في تشرين الأول بعدما ذاق طعم الهزيمة في أول تصويت على مشروع قرار يخص بريكست في البرلمان خلال عهده القصير كرئيس وزراء، إضافةً إلى هزيمته في مجلس العموم ومجلس اللوردات.

لقد انهالت الضربات على جونسون مبكراً، وتلقى طعنة على الهواء مباشرة من النائب فيليب لي الذي انتقل من موقعه وسط النواب المحافظين، ومشى إلى صفوف نواب حزب الديمقراطيين الليبراليين المعارض، معلناً انشقاقه، ليخسر تحالف المحافظين والحزب الايرلندي الصوت المرجّح الذي يتفوّق فيه على مجموع أعضاء المعارضة بصوت واحد، وبذلك فقد جونسون النائب الغاضب، ما جعله يخسر الأغلبية في البرلمان.

ولكن في حال رفض البرلمان إجراء الانتخابات المبكرة، فستحصل مشكلة دستورية غير مسبوقة قد تجبر جونسون على الاستقالة.

ويريد معارضو خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلزام رئيس الوزراء بطلب تأجيل الخروج لثلاثة أشهر أخرى إذا لم يتمكّن من الحصول على صفقة جديدة مع الاتحاد الأوروبي بحلول 19 تشرين الأول المقبل، وقد لفتت صحيفة”التايمز” إلى أن جونسون وضع نفسه في مأزق حرج يصعب الخروج منه حتى لو لبى كافة مطالب البرلمان، وعليه فإن خسارته الأغلبية في البرلمان لم تترك أمامه سوى ورقة وحيدة وخيار وحيد ألا وهو إجراء انتخابات مبكرة.

تاريخياً، يعد البرلمان المكان الذي تكمن فيه السلطة في بريطانيا، لكن هذا البرلمان أثبت عجزه في حسم معضلة “بريكست”، لذلك إذا لم يستطع جونسون إجراء انتخابات مبكرة، فماذا سيفعل؟ ذلك أن حكومة من دون أغلبية لا يمكنها أن تقر تشريعاً أو تحكم في واقع الحال، وحتى إجراء انتخابات مبكرة في ظل هذه الظروف المضطربة سيكون بمثابة مغامرة كبيرة غير مضمونة النتائج.

ومن باب التذكير، فإن رئيسة الوزراء السابقة، تيريزا ماي، وافقت على شروط الخروج مع بروكسل العام الماضي، لكن الاتفاق الذي شمل المساهمات المالية لبريطانيا وحقوق المغتربين في الاتحاد الأوروبي والحدود الايرلندية، رفضه البرلمان ثلاث مرات، كما كان الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون قد اقترح أن تختار المملكة المتحدة البقاء في الاتحاد أو الخروج منه بموجب مرسوم ملكي.

مع تعقيدات أزمة “بريكست” والأزمة الدستورية، التي قد تقع بريطانيا البلاد، يُطرح لأول مرة تساؤل قانوني وسياسي عن حدود الدور الذي يمكن أن تلعبه الملكة اليزابيث الثانية في إخراج البلاد من هذه الأزمة غير المسبوقة، إلا أن الخبراء البريطانيين يستبعدون تدخّل الملكة في هذا الموضوع بالقول: إنها كانت على الدوام شخصية محايدة في موقفها من الأحزاب طوال مدة حكمها التي استمرت أكثر من ستة عقود، ومن غير المرجّح أن تغيّر نهجها، وبالتالي من المستحيل أن تتدخّل في السياسة ما لم تكن البلاد في أزمة كارثية.

هيفاء علي